المشكل لا يوجد في ضعف الكفاءات سواء على مستوى كتاب السيناريو أو المخرجين أو الممثلين أو ما يرتبط بالصناعة الفنية، المشكل لدينا في منطق الوزيعة ولهف الأموال من صندوق دعم الإنتاجات الرمضانية بين شركات حصرية دون تقديم منتوج جيد، وهذه هي المصيبة العظمى.
#حوار : بوشعيب خلدون
أواصل لليوم السادس والعشرون رحلة حوارتي من أيام رمضان الأبرك سلسلة حوارات رمضانية التي تعودت على إجرائها منذ سنوات وأستمر في ذلك كل رمضان عبر مجلة آربريس التي اعتبرها تحفة فنية حاولت ان اؤسسها لتكون منبرا ثقافيا متميزا وجادا أيضا وقبلها في جريدة الصحراء المغربية الغراء .. وكل عام أتناولها بأسلوب جديد.. حوارات مغايرة في مجلة آربريس أستضيف فيها كتاب وشعراء وفنانون وفاعلون جمعويون واقتصاديون ونجوم السوشييل ميديا في بوح لمشاركتنا طقوسهم خلال شهر رمضان ..
الحلقة السادسة والعشرون هو ابن مدينة الأنوار وعاصمة المغرب الأدارية التي تحتضن أكبر مسرح بافريقيا .. هي التي تغنى فيها مكري عن حوريته التي افتقدها بين أزقة المدينة التي تعود في بعض منها الى العهد الموحدي والمرابطي أيضا …
ضيفنا رأى النور بالرباط سنة 1964 وفيها كانت مراحل دراسته الابتدائية ثم الثانوية ، ليلتحق بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس،حيث حصل على الإجازة عام 1990.
التحق بالمركز التربوي الجهوي –الفوارات بالقنيطرة، ليشتغل كأستاذ وبعدها بسنوات التحق بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس فالرباط، ويعين كأستاذ بالسلك الثاني بالمحمدية.
استهوته الصحافة فوجد نفسه في قلب منعرجاتها الأساسية، حيث عمل كمستشار للتحرير بجريدة «الزمن» التي كان يديرها عبد الكبير العلوي الإسماعيلي وعمل إلى جانب الدكتور محمد سبيلا ود.محمد ضريف…
لينتقل إلى العمل في أسبوعية » الصحيفة « التي سيصبح رئيسا لتحريرها عام 2001، قبل أن يشد الرحال إلى جريدة « الأخبار المغربية » التي أسسها صحبة الشاعر والكاتب عبد القادر الشاوي..ليؤسس بعدها عام 2004 جريدة الأسبوعية الجديدة »..
إلى جانب اهتماماته الصحافية، لعبد العزيز كوكاس إسهامات إبداعية فتجده يكتب في الأدب والفلسفة والشعر أيضا حيث يكشف لنا في «رائحة الله» عن صوت شعري مليء بالتأمل الفلسفي الممزوج بغنائية رقراقة .. الى جانب العديد من المقالات في الفكر والفلسفة والأدي والنقد التي تؤتث الفضاء الاعلامي فله العديد من الإصدرات من بينها «ذاكرة الغياب» في طبعتين ، ثم نصوص «سطوة العتمة».. و« اللعب في مملكة السلطان» و«حبل قصير للمشنقة» و«أحلام غير منتهية الصلاحية» و«براد المخزن ونخبة السكر»و «ليكن هناك نور».
فرغم كثرة انشعالاته وضيق الوقت في هذا الشهر الفضيل أبى عبدالعزيز كوكاس الا ان يلبي دعوتنا بان نقتطع من سكينته هذا الحوار الذي اتمنى انني كنت موفقا فيه فصيفنا وهو الصحافي المحنك والذي حبر دروبها بكل التفاصيل الدقيقة فمثله لا زلنا نتعلم منهم ابجديات المهنة …
ولا أجد من وصف ابلغ مما قاله عنه المـؤرخ مصطفى بوعزيز «عبد العزيز كوكاس حامل قلم بامتياز ينحت كلماته من صخر، وينسج نصوصه بسهل ممتنع يشي بصنعة راقية.. فهو في البدء أديب، يُجوّد ويُبدع كالبرّاد المغربي ليهدي للقارئ شايا مُشحّرا تتفاعل مكوناته المغربية لتعتصر عسيّلة أسيلة»..
ضيف الليلة السادسة والعشرون من ليالي رمضان مع الإعلامي والكاتب والشاعر عبدالعزيز كوكاس يحاوره بوشعيب خلدون
1 / عبدالعزيز كوكاس في جملة؟
ـ كاتب وإعلامي حي ولكنه لا يرزق سوى بضعة أحلام.
2 / قبل أن أتناول معك حواري المعتاد فالمناسبة شرط وهو حوار من وحي يوميات رمضان لكن يحدث ان يكون الضيف مميزا وأجد أن أسئلتي مقيدة بشرط الزمن والمناسبة لذلك لا ضير أن أتحايل على نفسي وعلى الضيف وهو الصحافي الذي خبر دروبها وزمنها «الملكي» رغم أن من كان يلج بلاطها وخصوصا كقلم معارض كأنما يفتح عليه ابواب الشيطان …كيف ترى المشهد الإعلامي الذي سقط في الميوعة الفكرية وتناسل العناوين في ظل سلطة وسائل التواصل الاجتماعي التي يتربع على عرشها التافهون… ولو عاد بك الزمن للوراء وكنت ستعرف هذا المآل هل كنت ستختارها كمهنة بعد مسارك في رحاب التعليم؟
ـ حال مشهدنا الإعلامي لا يسر لا عدوا ولا حبيبا، لقد تراجعت المهنية بشكل مهول، والقنوات التي أصبح يأتي منها الإعلاميون تعددت ليس بالشكل الذي يغني الحقل الصحافي ويثري زخمه ولكن بما يفقره، ضاقت مساحة الجدية الإعلامية ولم يعد هناك التزام بأخلاقية الصحافة بالشكل الذي أصبحت أخجل أن أقول عن نفسي إني صحافي، ولكن لا يجب أن نعلق الصحافيات والصحافيين وحدهم ونحملهم سقوط الصومعة، التفاهة هي مسار كوني طاغي مع العولمة والفورة التقنية التي أعطت الكلام لمن لا يعلم ولا يفقه وللذين يعلمون ما تساقط من كل شيء ويفتون كخبراء في كل شيء، يصبحون دكاترة ومحامين وأساتذة ومثقفين ومهندسين وفقهاء دين وكل شيء بلا حد أدني من الصدقية والتكوين والأهلية في الحديث، بدعوى حرية التعبير.. كما أن الفضاء العام في جوانبه السياسية والثقافية والفنية هي أيضا مستها الرداءة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، فالإعلام مرآة، فيه تتجلى صورة المجتمع بشكل فاضح، لذلك يتهم الناس الإعلام كما لو أنه هو الذي دفع السياسة والتعليم والثقافة والفن إلى الحضيض، والعكس هو مجرد تجلي لها ومساهم فيها بنصيب أيضا، لأنه سار في نفس مسار الرداءة وتزكية التافهين.
3/ كيف تستقبل رمضان وهل أعددت وجبات للكتابة في ظل التغيير في مواقيت النوم ونمط الأكل الذي يتزامن مع هذا الشهر الفضيل ؟
ـ رمضان بالنسبة لي هو الشهر الذي أتمنى ألا ينقضي، بسبب أنه يمنحني وقتا كافيا أتفرغ فيه صباحا للقراءة وليلا للكتابة، وحين أكون قد تقدمت في الكتابة والقراءة تبدأ تباشير العيد، وأكون أنا لم أنه بعد مشاريعي التي بدأتها، وأتمنى لو يطول كي أنهي ما شرعت فيه، إذ أعرف أن ما أن يخرج رمضان حتى أعود إلى الانشغالات المرتبطة بالعمل وبالالتزامات الثقافية والإعلامية والاجتماعات واللقاءات التي تبعدني كثيرا عن القراءة والكتابة كما أمارسهما في شهر رمضان الذي أنقطع فيه كليا عن العالم الخارجي ولا أبقي إلا ما كان ضروريا.
4/ هل رمضان يعتبر فترة يمكنك استغلالها للكتابة الإبداعية أم أنك تستعيد من خلاله يوميات حياتك وإعادة ترتيب أوراقك ؟
ـ أنت تعرف لذة اكتشاف أرشيفك، ما نظل نكومه هنا وهناك حتى يكون لنا الوقت الكافي للتفرغ لها، فتجد أن لديك كنزا حقيقيا، نصوص كتبتها ولم تكتمل وتستغرب هل أنت من كتبها؟ وكيف أهملتها؟ وتعثر في هذا الركام على لحظات جميلة وأخرى حزينة، وعلى مشاريع أفكار تلهم كتاباتك وتغذي بنسغ الحياة والذاكرة، في كل رمضان أشتغل على مسألة الأرشيف وعلى القراءة المكثفة وعلى العمل الإبداعي خاصة.
5/ ما رأيك في الانتاجات الرمضانية المغربية مقارنة مع ما تقدمه القنوات العربية وهل هناك تطور لهذه الانتاجات ام انه لابد من العمل وتخصيص دعم كبير لتكون افضل مع العلم اننا تتوفر على كفاءات عالية سواء في التشخيص او الاخراج وكتاب السيناريو او الجانب التقني ؟
هذا مشكل كبير، وجود انتقاد لهذا الجمهور، معناه أن الأعمال الفنية المقدمة له لا ترقى إلى انتظاراته وإلى ذوق، بعض المخرجين وصناع المنتوج الدرامي في رمضان يعتقدون أن وظيفتهم هي أن يضحكوننا، بل منهم من يشتهي أنه لو خرج من التلفزيون واخذ يدغدغ 35 مليون مغربي، هذا أمر ليس سليما، المنتوجات التي تتخذ من الكوميديا قالبا فنيا له، يجب أن تدفع الجمهور، للوعي الجاد بمواضيع مثيرة تكون موضوع سخرية، وأن تطهر المشاهدين من أصناف الرداءة التي تحيط بهم في واقعهم اليومي وترفع من أذواقهم فيما يشبه التطهير الفني، لا أن تقصفهم بكل أشكال التفاهة. المشكل لا يوجد في ضعف الكفاءات سواء على مستوى كتاب السيناريو أو المخرجين أو الممثلين أو ما يرتبط بالصناعة الفنية، المشكل لدينا في منطق الوزيعة ولهف الأموال من صندوق دعم الإنتاجات الرمضانية بين شركات حصرية دون تقديم منتوج جيد، وهذه هي المصيبة العظمى.
عطفا على هذا السؤال ألا ترى معي أن منصات التواصل الاجتماعي سحبت البساط من القنوات وأصبح اليوتوب وغيره من المنصات تثير اهتمام المتلقي والمنتج والفنان على حد سواء؟
ـ الجمهور المغربي صعب جدا، وأحكامه قاسية ولا تكون دائما صائبة، بدليل الضجيج الذي أثير حول أعمال فنية فيها الحد الأدنى من الإبداع والصدق الفني، نظرا لقضية جانبية استفزت مقاطع من الجمهور، ولكن حين يكون إجماع كبير لرواد التواصل الاجتماعي حول تفاهة ما يقدم، فهذا يعني وجود خلل ووجود ذوق فني يرفض التفاهة والرداءة. وهذا الشيء إيجابي أن يكون لديك جمهور حي وواعي وفعال في طرق إيصال رسائله لمن يهمه الأمر، الذي عليه التقاط الإشارة والرفع من الجودة بدل ترسيخ هذا الانحطاط غير المسبوق.
6/ في نظرك الى ماذا ترجع ضعف الانتاجات السينمائية والتلفزيونية خصوصا الأفلام الوثائقية وأيضا الأفلام التي تتناول الشخصيات المغربية لجعل السينما والأفلام كواجهة للدفاع عن تاريخنا الذي يمتد 12 قرنا… لمن ترجع سبب هدا التغييب أما حان الوقت لفتح نقاش عميق مع الجهات المختصة في شكل رابطة سينمائيين ومخرجين وكتاب سيناريو ولماذا لا يعتمد المخرجون المغاربة على المنتج الروائي المغربي لمنح جودة وقوة للسيناريو ؟
ـ لدينا خيرة الممثلات والممثلين، لدينا نجوم حقيقيون، المشكل في إبداع الفكرة، في الخروج من نمط اللهجة العروبية والشخصيات البدوية التي سجن فيها البعض نفسه وكررها بشكل تنميطي، لضعف الخيال وضيق الأفق الإبداعي، البعض يعتقد أنه إذا غادرها سوف يذوب وتتراجع شعبيته، هذا لا يعكس الواقع الاجتماعي، الناس لا تقرأ ولا تتابع تحولات المجتمع المغربي، «راه» المدن اتسعت والبادية اليوم دخلتها التقنية ووسائل الحداثة، وليست هي بادية زمان، والكوميديا ليست هي أن نقود الناس قصرا نحو السعادة عبر الضحك، وإنما أن نجعلهم يسخرون من واقعهم وحتى من المواقف التافهة التي يجدون فيها أنفسهم ليرقوا بأذواقهم.
ووجود المال في قلب الدعم، جعل الأمر مثل غنيمة الكل يريد أن يأخذ حصته إلا من رحم ربك، وهذه مصيبة كبرى، أنا لست ضد الدعم لكن في غياب الرقابة على المال العام وغياب الشفافية، فمثلا كيف يمكن أن يحرم فيلم لنبيل لحلو من الدعم في الوقت الذي يتم فيه تسمين مشاريع ضحلة تفتقد لمعايير الجودة، كيف كان موقف البعض من نبيل لحلو فهو مبدع حقيقي في مجاله الفني وظل مخلصا لإبداعه، في حين ندعم من يظل يقصفنا بكل أشكال التفاهة، «حشومة وعيب».
7/ ككاتب وكصحافي خبرت الصحافة المكتوبة وتتابع عن قرب الإعلام الرقمي أو ما يسمى الإعلام الجديد .. هل تعتبر أن زمن الصحافة الورقية انتهى وحلت محله الصحافة الرقمية أم أنهما يكملان بعضهما البعض.. وهل ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حاسمة في صناعة الخبر وتوجيه الرأي العام؟ .. ونفس الأمر ينطبق على الثقافة الرقمية والذكية إن صح القول.. وهل ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حاسمة في صناعة الثقافة والمثقف ؟..
ـ أولا وسائط التواصل الاجتماعي ليست صحافة، وهي تقدم معلومات صحيح لكنها لا تقدم أخبارا مصاغة بشكل مهني ووفق قواعد الصحافة، التي لا يملكها إلا الصحافي عبر تكوين متخصص، ويمكن أن تستفيد الصحافة من الفورة الرقمية ومن وسائط التواصل الاجتماعي، بالنسبة للصحافة الورقية أقول لقد انتهت، انتهى العصر الجوتنبورغي وبدأ عصر الاتصال، ومن يحلم بإعادة عقارب الزمن إلى الماضي إما أنه واهم أو معاند لصيرورة التاريخ. الصحافة الورقية خاصة المهني منها والوازن هي مثل بطل تراجيدي تريد أن تموت في ساحة الشرف بكبرياء الأبطال، إن أكبر الجرائد الورقية في العالم أغلقت أبوابها، في مجتمعات رسخت تقاليد كبيرة للقراءة، فبالأحرى في مجتمع لا يقرأ.. هل وسائل التواصل الاجتماعي تخلق المثقفين اليوم لا أعتقد، ليس في المغرب وحده بل في العالم، وإلا علينا أن نعيد النظر في مفهوم المثقف ذاته. عصر السرعة فرض الرقمنة وتكنولوجيا التواصل الرقمي وسلطة الغافام، وشعار المرحلة كثرة المعلومات في معدل سرعة قياسي بحيث علينا اليوم البحث من جديد عن شكل لتعريف الخبر والمعلومة ذاتها وأخلاقيات المهنة، كل هذا سيصبح ذات يوم مثل التحف الفنية النادرة الوجود.
8/ اذا أسندت لك وزارة الثقافة ماهي القرارات التي ستتخذها فورا ؟
أن أحيط بي طاقما يفوقني ذكاء وتنويرا، وأطرا تحسن التدبير لا التبذير، فما خاب من استشار من هو أكثر منه تجربة وحكمة، وزير جيد أو فعال معناه أنه يحيط نفسه بمستشارين أكفاء وثاني الأشياء التفكير في تنزيل المجلس الأعلى للثقافة عبر خلق نقاش عمومي وبين جميع الفاعلين الذي يصنعون الثقافة من المفكرين والمبدعين حتى حرفيي الصناعة التقليدية. أي أن نفكر بشكل جماعي واستراتيجي في الشأن الثقافي. أما «داكشي ديال خرج سربيسك على خير»، وأنه خير للشخص ألا يعمل كي لا يتعرض للأخطاء، فالانتقاد، أو الاكتفاء بتغيير ديكور مكتوب الوزير وسكرتيراته واستقدام الأصدقاء والموالين، فالأفضل ألا يكون المرء في مثل هذه المسؤولية، وأن أبقى بمنزلي خير وأجدى للأمة وللثقافة ولي..
ذا أسندت لك وزارة الثقافة سأحيط بي طاقما يفوقني ذكاء وتنويرا، وأطرا تحسن التدبير لا التبذير، فما خاب من استشار من هو أكثر منه تجربة وحكمة
9/ هل يمكن للمثقف والمبدع أن ينجح في تسيير دهاليز وزارة عجز الكثيرون على معرفة خباياها؟
أولا نحن نتكلم عن وزارة لها ميزانية محدودة، وما يتداول فيها مجرد سقط المتاع، ليس مفروضا في أن يسير الدولة المثقفون نحن لسنا في جمهورية أفلاطون التي يحكمها الفلاسفة، ولكن في وزارة الثقافة يلزم أن تكون الخبرة الإدارية إلى جانب معرفة بأهمية البعد الثقافي في مسار التنمية والتقدم، والاطلاع على تجارب في مسار وزارة الثقافة بالمغرب منذ عهد محمد الفاسي حتى اليوم وكذلك أبرز التجارب الدولية الناجحة التي فيها حس الإبداع والابتكار ورؤيا متناسقة للمشروع الثقافي لا أن يغرق المسؤول الأول عن الوزارة في التدبير اليومي الروتيني الذي له رجالاته ونساؤه.
10/ ما هي أول رواية قرأت أو الكتاب الذي أثر في حياتك .. ومن هي الشخصية التي ساهمت في اختياراتك سواء توجهك الصحافي او الأدبي او قبلهما ممارسا للتعليم؟
ـ أول رواية قرأت خارج القصص المدرسية والحكايات التي كان يرويها حكواتيون في الحي الذي ولدت فيه، هي قصة بوليسية لأرسين لوبين التي فتنت بها، وظللت أبحث عنها في كل الكتب التي كنت أستعير، أما الكتاب الذي أحدث انعطافا كبيرا في مسار قراءاتي وحتى في أسلوب حياتي فهو رواية “الأبله“ لدوستويفسكي، لقد وجدت نفسي أمام كاتب متعدد الرؤى ومبهر في أسلوب حكيه وعمق رؤيته، حيث يسائل العابر الذي يمر بنا ولا نلتفت إليه بعمق فلسفي، فيضفي عليه المزيد من الدهشة، ومن شدة تأثير هذا الكتاب علي، أني انخرطت في المركز الثقافي السوفياتي بالرباط»، وهناك بدأت أكتشف كنوز الأدب الروسي وعمالقته من تولستوي إلى نيقولا غوغول، بوشكين، غوركي، تشيخوف، وسولجينستين… وباقي ما كانت تقدمه دار التقدم بموسكو، ولأن هذا المركز الثقافي كان يقدم لزواره جريدة البرافدا وجريدة أخرى مشهورة سها البال عنها اللحظة، فقد بدأت أتعرف على الماركسية.
أما من ساهم في تكويني وأثر فيما أنا عليه اللحظة فهم كثر من محيط عائلي وبيئة في الحي الذي كنت أسكنه بيعقوب المنصور وكل المدرسين الذين تلقيت تكويني على يدهم، ولكن الذين وشموني بميسم لا ينسى، فأذكر بينهم الرجل الاستثنائي الذي حظيت بالانتساب إليه، أقصد أبي، النموذج والقدوة في الحب والتضحية والتسامح والبذل بلا حدود.. ثم معلمي للغة العربية في السنة الثالثة والرابعة إعدادية عمر أوشن الذي زلزلني وجعلني أغير توجهي من الشعبة العلمية التي تفوقت فيها إلى الشعبة الأدبية التي عشقتها..
11/ صدر لك مـؤخرا “في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر» هل هو رحلة كاتب من داخل معتقل فرض عليه أم إنه تأريخ لحدث أليم برسائل سياسية ودعوة ليقظة الضمائر الميتة ؟
ـ «في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر» الصادر عن منشورات النورس، خصصته للتأمل في العديد من القضايا التي صاحبت فيروس كورونا سياسيا وثقافيا واقتصاديا، في محاولة للقبض على الجوهري في تقديري للتحولات التي لا زلنا نعيش وقعها، ينتبه للمنفلت: عودة السحر لقلب العالم، الكمامات التي ستلتصق بجلدنا وتخفي تحتها شخصيات أخرى سنحتاج إلى زمن للبحث عما تخبئه من رموز وأساطير، تلك البضائع التي هرعنا إلى تكديسها في بداية الحجر الصحي، كأننا نخشى أن تبقى بعدنا ونحن الذين ننتجها ونمنحها شهادة الميلاد ونضع عليها تاريخ موتها أو نهاية صلاحيتها… كل ذلك بلغة تمزج بين السخرية من الفيروس المخاتل ومن الذعر والخوف الذي أغرق فيه البشرية، لقد وجدت سبيلي للتعبير عما عشناه خلال هذا الوباء في السخرية كقلب للعالم لإعادة فهمه واستيعاب تحولاته بعد أن أصبح العالم المفتوح والقرية الصغيرة، منطويا على نفسه كل دولة توجد في وضع قنفوذي لحماية مجموعتها الوطنية من عدوى فيروس غير مرئي لا يترك سوى أثره المدمر على الإنسان والاقتصاد والقيم والعلاقات الاجتماعية.. وفي التحليل السياسي الذي يحاول ملامسة التغيرات الجيو سياسية والقيم التي كان لوقعها ارتجاج قوي كما في الأحداث الكبرى التي عبرت التاريخ البشري وتركت وشمها عميقا في مساراته.. كما وجدت في الترجمة سندي لوعي متعدد بأبعاد كونية، سعيت من خلالها إلى بسط كيف يفكر الآخر/العالم المتقدم في الإشكالات التي فرضها الفيروس الإمبراطوري على البشرية.
12/ اختر ثلاثة اسماء كنت تتمنى لو انها لم ترحل عن هذه الحياة ؟
ـ كل الأحبة نتمنى لو لم يرحلوا، وإذا كان لا بد أن أختار بين من لم أكن تتمنى أن يرحلوا فوالدي وأمي ومحمد سبيلا.
13/ رسالتك إلى المبدعين الشباب ؟
ـ أكتبوا بصدق بروح قلبكم، لا تمشوا متفاخرين فالإبداع يرفع من تواضع له، أتركوا أثرا يبقى بعدكم يدل عليكم، أنصتوا إلى فضيلة الصمت بدل ضجيج العالم أكتبوا بدمكم لا باستغلال دم غيركم، ليكن بعض من الحب والخيال والجمال في كتاباتكم كما في معيشكم لتزرعوا بعضا من الأمل في قراءكم المفترضين.
رسالتي إلى المبدعين الشباب : أكتبوا بصدق بروح قلبكم، لا تمشوا متفاخرين فالإبداع يرفع من تواضع له، أتركوا أثرا يبقى بعدكم يدل عليكم، أنصتوا إلى فضيلة الصمت بدل ضجيج العالم أكتبوا بدمكم لا باستغلال دم غيركم
14/ خارج المألوف…
ما رأيك في الناخب الوطني وليد الركراكي ؟
ـ جاء في لحظة التقاء التاريخ بالقدر في مسار كرة القدم وأعاد لنا الثقة في إمكانياتنا بعد عقود من الخيبات.
لو التقيت بابراهيم دياز ماذا ستقول له ؟
ـ حفظ الله قدميك وقلبك
هل ترشح المنتخب الوطني للفوز بكاس أفريقيا التي ستقام بالمغرب 2025 ؟
ـ لم يعد الفوز والانتصار محالا، لقد أثبت الشبان قدرتهم وإبداعهم وحتى حسهم الوطني في كرة القدم خاصة، ولو أني أكبر واحد يجهل هذه اللعبة، وعلاقتي الوحيدة بها تعود إلى أيام الطفولة إلى أنه لدي ثقة كبيرة في هؤلاء الشباب الذي رفعوا هاماتنا عاليا، بالأمس كنت إذا زرت بلدا يتكلم الإنجليزية ويسألونني من أي بلد، وحين أقول لهم أنا من المغرب from morocco، يرددون from monaco، اليوم لا إنهم يعرفون المغرب بفضل منجزات فريقهم الوطني في كرة القدم، وهذا فخر كبير.
بالأمس كنت إذا زرت بلدا يتكلم الإنجليزية ويسألونني من أي بلد، وحين أقول لهم أنا من المغرب from morocco، يرددون from monaco، اليوم لا إنهم يعرفون المغرب بفضل منجزات فريقهم الوطني في كرة القدم، وهذا فخر كبير.