بنهاية رمضان، يُطوى النقاش الذي أثير حول عدة أعمال تلفزيونية مغربية، كان هدفها إضحاك الجمهور، فتحوّلت إلى مسخرة بكل المقاييس… هناك بعض الإشراقات والفلتات، لكنها قليلة جدا
#حوار : بوشعيب خلدون
أواصل لليوم التاسع والعشرون ـ وهي آخر حلقة من هذه السلسلة الرمضانية ـ رحلة حوارتي من حوارات أنجزتها خلال شهر رمضان الأبرك سلسلة حوارات رمضانية التي تعودت على إجرائها منذ سنوات وأستمر في ذلك كل رمضان عبر مجلة آربريس التي اعتبرها تحفة فنية حاولت ان اؤسسها لتكون منبرا ثقافيا متميزا وجادا أيضا وقبلها في جريدة الصحراء المغربية الغراء .. وكل عام أتناولها بأسلوب جديد.. حوارات مغايرة في مجلة آربريس أستضيف فيها كتاب وشعراء وفنانون وفاعلون جمعويون واقتصاديون ونجوم السوشييل ميديا في بوح لمشاركتنا طقوسهم خلال شهر رمضان ..
ختامها مسك كما يقال ونختم مع ضيف الحلقة الأخيرة والتي تتزامن مع ايام العيد أحد أبرز الوجوه الإعلامية والأدبية والنقاد سواء في الكتابة الصحافية عبر العديد من المنابر أو عبر التأليف واصدار الكتب … هو ابن حاضرة مجاورة للرباط مدينة الشواطئ الجميلة والغابات، توجد بها أكبرغابة بالمغرب المعمورة وتقربها محمية بوغابة… وتاريخيا لازالت تحتضن جزئا من الحصن الموحدي الشاهد على عراقة المدينة واصالتها ايضا… انها مدينة تمارة التي رأى ضيفنا بها النور سنة 1966، بعد الدراسة الابتدائية والإعدادية والتانوية، برز توجهه وعشقه للأدب والمسرح والكتابة، كانت القراءة سبيلة الوحيد لابراز مؤهلاته في الكتابة والسرد ، كان مدخله لغمار هذا العشق هو رواية «ماجدولين» للكاتب المصري الشهير مصطفى لطفي المنفلوطي، تلك كانت أول البدايات ليرسم مساره الأدبي منذ فترة مبكرة خلال مرحلة الفتوة…
هذا التعلق الوثيق برحلة البحث عن التعمق في الدراسات الأدبية ليجعل من نفسه قلما وسط نخبة الكتاب والادباء والنقاد المغاربة والعرب قادته إلى جامعة محمد الخامس بالرباط ليحصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها سنة 1990.
هو عضو المجلس الوطني الفدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وعضو المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب، وعضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان ـ جهة الرباط، سلا، القنيطرة ومؤسس ومدير الموقع الثقافي «مفاتيح أدبية»: www.mafatihadabiya.com عمل مديرا لنشرة مهرجان المسرح العربي دورة الدار البيضاء 2023، كما عمل رئيس تحرير النشرة نفسها دورة الرباط 2015، مُعِـدّ عدة برامج وثائقية وثقافية بالقناة الثانية، مراسل معتمد لصحيفة “القدس العربي“ الدولية، رئيس القسم الثقافي لجريدة “الميثاق الوطني“ ـ سابقاً ـ، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهـد، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للصحافة الثقافية، عضو الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في المغرب، ينشر مقالات ودراسات في العديد من الصحف والمجلات العربية، شارك في عدة لجان تحكيم وفي ندوات فكرية في المغرب وبلدان عربية أخرى.
ومن بين أهم مؤلفاته «مقامات ومقالات في المجتمع والمعرفة والإعلام» و «مرايا النفس المهشمة»، و «المسرح الفردي في الوطن العربي» و«لسان الحال». شارك أيضا في مُؤلّفات جماعية:«التلفزة في الصحافة المكتوبة بالمغرب» وعبد الحق الزروالي: وحيداً في مساحات الضوء، و محمد أديب السلاوي: الكاتب والقضية، و من أجل بسطاوي، إعداد خالد الخضري
ضيف الحلقة الأخيرة الكاتب والإعلامي والناقد الأدبي الطاهر الطويل .. يحاوره بوشعيب خلدون
1/ الطاهر الطويل في جملة..
ـ إنسان يؤمن بمقولة: «أوقدْ شمعة بدل أن تلعن الظلام».
2/ كيف تستقبل عادة رمضان وهل أعددت وجبات للإبداع والكتابة في ظل التغيير في التوقيت ونمط الأكل الذي يتزامن مع هذا الشهر الفضيل ؟..
ـ أستقبل رمضان بما هو أهل له من تعظيم وإجلال، لأنه شهر استثنائي، يتغير فيه كثير من نمط حياتنا اليومي المعتاد في باقي الشهور، إن على مستوى الأكل أو النوم أو العمل، وقبل هذا وذاك التركيز أكثر على الجانب الروحي.
3/ إن كان رمضان يشكل لديك فترة للإبداع والكتابة سواء في مجالك ككاتب واعلامي أو ناقد، فكيف ذلك .. ام انه شهر يعتبر امتدادا للشهور والأيام العادية ؟..
ـ طقوس الكتابة لديّ تحاول أن تتكيف مع العوامل المذكورة آنفا في الجواب السابق، والتغيير الذي يقع أنني أسعى إلى مرافقة الكمبيوتر ليلا أو فجرا، وليس فقط في ساعات معينة من النهار، استثمارا للطاقة الإيجابية المرتبطة بهذا الشهر الكريم.
وبجانب الكتابة، هناك أيضا الحرص على القراءة والمطالعة، فضلا عن متابعة المستجدات الثقافية والفنية والإبداعية، وكذا أحداث العالم المتعاقبة.
4/ سؤال بعيدا عن ما تنتجه القنوات المغربية واتحدث عن الجانب الإبداعي .. ما رأيك في الانتاجات الرمضانية المغربية مقارنة مع ما تقدمه القنوات العربية وهل هناك تطور لهذه الانتاجات ام انه لابد من العمل وتخصيص دعم كبير لهذه الانتاجات لتكون افضل مع العلم اننا تتوفر على كفاءات عالية سواء في التشخيص او الاخراج او الجانب التقني ؟..
ـ بنهاية رمضان، يُطوى النقاش الذي أثير حول عدة أعمال تلفزيونية مغربية قُدمت خلال هذا الشهر الكريم، وكان هدفها إضحاك الجمهور، فتحوّلت إلى مسخرة بكل المقاييس.
طبعًا، نحن هنا لا نعمّم، هناك فعلاً بعض الإشراقات والفلتات، لكنها قليلة جدا.
والواقع أن أزمة الأعمال الدرامية التلفزيونية المغربية تعود ـ في اعتقادنا المتواضع ـ إلى آلية الإنتاج عمومًا التي ينبغي أن يُعاد فيها النظر. بمعنى آخر، إن المنهجية التي اعتُمدت خلال العشر سنوات الأخيرة في ما يتعلق بطلب العروض وصفقات الإنتاج يتعين أن تكون محل تقييم وتقويم ومساءلة: إلى أي مدى أسهمت في تطوير الدراما المغربية؟ هل حققت تراكمًا نوعيًّا على مستويات التأليف والإخراج والتمثيل ومختلف عناصر الصناعة الدرامية؟ وهل استطاعت كسب رضى المشاهد المغربي أمام إغراءات مختلف القنوات العربية والعالمية؟
لقد أبانت الكثير من الأعمال الدرامية (خاصة تلك التي تندرج ضمن ما يطلق عليه “السيتكوم“) عن ثغرات عدة، يمكن إجمالها في نقطتين اثنتين: خلل على مستوى السيناريوهات التي تفتقر إلى عناصر التشويق والجاذبية، فنجدها تخلط بين المواقف الدرامية والمواقف الفكاهية، وتحاول افتعال «القفشات» الساخرة دون أن تفلح فيها غالبًا.
وخلل على مستوى «الكاستينغ»الذي يتجلى في ثلاثة عناصر: أولهما إقحام بعض «المؤثّرين» الافتراضيين في التمثيل وإقصاء أهل الاختصاص، وثانيهما عدم إسناد الأدوار المناسبة للممثلات والممثلين المناسبين، وثالثها التركيز على وجوه وأسماء بحد ذاتها تتكرر في الكثير من الأعمال بشكل متزامن.
5/ ككاتب وإعلامي الا ترى معي أن تغييب الكتابة الروائية في الانتاجات المغربية من بين أسباب ضعف هذه الانتاجات ؟..
ـ أرى أن المنتجين والمخرجين وكتاب السيناريوهات يُغيّبون التطرق إلى تاريخ البلاد وأمجادها ورموزها، ويفضّلون الاستسهال في أعمال تلفزيونية تكرر الموضوعات نفسها، بل وتستنسخ أحيانا مسلسلات وأفلاما أجنبية.
ثمة روايات مغربية عديدة تتحدث عن محطات من تاريخ البلاد، وهناك أيضا كتب ودراسات توثق لشخصيات وأحداث بارزة في هذا التاريخ. وما يلزم هو توفر الإرادة الحقيقية لدى أصحاب القرار السياسي والإعلامي، من أجل رصد الميزانيات الكافية لتحويل تلك الروايات والكتب إلى مسلسلات تلفزيونية ضخمة، على غرار مسلسل «فتح الأندلس» الذي أسال مدادا غزيرا وحرّك الغيرة في نفوس الكثيرين.
6/ عطفا على هذا السؤال الا ترى معي أن منصات التواصل الاجتماعي سحبت البساط من القنوات وأصبح اليوتيوب وغيره منصة تثير اهتمام المتلقي والمنتج والفنان حدا سواء ؟..
ـ لا يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب أن تحل محل التلفزيون، قد يكون هناك تكامل، ولكن ليس هناك تنافس أو تعارض. التلفزيون يقتحم البيوت ويشكل قاسما مشتركا بين أفراد الأسرة، وشبكات التواصل الاجتماعي يتخذ فيها التلقي عموما شكلا فرديا. إنها تكرّس نوعا من العزلة والفردانية إذا لم تُستعمل على الوجه الأمثل؛ ويبقى للمتلقي في النهاية حرية الاختيار.
7/ هل تعتبر أن زمن الكتابة التقليدية يمضي نحو الاختفاء في وقت تحل محله الثقافة الرقمية والذكية ان صح القول ام أنهما يكملان بعضهما؟ وهل ترى ان وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حاسمة في صناعة الثقافة والمثقف وتوجيه الجمهور ؟..
ـ في علاقة بالجواب السابق، يمكن القول إن سؤال التعويض في التقنيات والفنون سؤال قديم جدا، طرح مثلا حين ظهر التصوير الفوتوغرافي فاعتقد البعض بأنه سيقضي على الرسم، لكن ذلك لم يحدث. وطرح أيضا حين ظهرت السينما، فقيل إنها ستعوض المسرح. ولم يتحقق ذلك. وتكرر ذلك مع ظهور الفيديو… وهلم جرا. لا يمكن لأي تقنية أو فن أن تلغي ما سبق. ومن ثم، نؤكد أن استعمال التكنولوجيا الرقمية في الإبداع الأدبي لا يمكن أن تقود إلى محو الكتابة التقليدية، بل نستطيع القول إنهما يكملان بعضهما البعض. أما اعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة في صناعة المثقف، فالمسألة غير صحيحة. إنها أداة للترويج والإشعاع وتعميق التواصل وتسريعه؛ لكنها لن تصنع مثقفا من فراغ إن لم يكن مستندا إلى رصيد معرفي راسخ.
وسائل التواصل الاجتماعي أداة للترويج والإشعاع لكنها لن تصنع مثقفا من فراغ
8/ اذا أسندت لك وزارة الثقافة ماهي القرارات التي ستتخذها فورا ؟..
ـ أن أطالب بحذف الوزارة نفسها.
9/ هل يمكن للمثقف والمبدع ان ينجح في تسيير دهاليز وزارة عجز الكثيرون على معرفة خباياها ؟..
ـ أثبتت التجارب أنه في حالات كثيرة توجد «خصومة»أو «عدم انسجام» بين المثقف وتسيير دواليب المؤسسات الحكومية، إما مركزيا أو جهويا أو إقليميا. ربما لأن المثقف عادة يتحرك عادة وينشط في فضاء مطبوع بالحرية والتمرد والانفلات عن القيود، بينما المسؤولية تتطلب الانضباط في كل شيء، في وقت العمل والوجود في المكتب وفي الالتزام بالقواعد الإدارية والتراتبيات الوظيفية وغيرها.
10/ ما هي أول رواية قرأت أو الكتاب الذي أثر في حياتك .. ومن هي الشخصية التي ساهمت في اختياراتك وتوجهك الصحافي اوالأدبي ؟..
ـ رواية “ماجدولين“ لمصطفى لطفي المنفلوطي، وأعتقد أن هذا الكاتب المصري الشهير هو أول من أثر في مساري الأدبي منذ فترة مبكرة خلال مرحلة الفتوة.
11/ اختر ثلاثة اسماء كنت تتمنى لو انهم لم ترجلوا عن هذه الحياة ؟..
ـ الشاعر والإعلامي حكيم عنكر، الباحث عزيز رزنارة، الصحافي الفلسطيني محمود معروف. هؤلاء الثلاثة كانت لهم مكانة كبيرة في قلبي، وتألمت كثيرا لرحيلهم.
12/ رسالتك إلى المبدعين الشباب الذين يلجون لمضمار الكتابة ؟..
التعلم والإنصات والتواضع.
شكرا لكم الفنان والإعلامي بوشعيب خلدون ولمجلة آربريس على هذه المساحة ..