.

فيلم روتيني: بين وهم الشهرة و تأثير المحتوى الإعلامي

فيلم روتيني: بين وهم الشهرة و تأثير المحتوى الإعلامي

محمد زهير الدحماني – بعد مشاهدتي لفيلم روتيني للمخرج لطفي آيت الجاوي، قررت أن أقوم بتحليل هذا الفيلم وأشارككم فهمي له. سأدخل مباشرة في صلب الموضوع، وأقدم لكم تحليلي المتواضع لهذا العمل، الذي سأقسمه إلى خمسة محاور.

المحور الأول: الشهرة الإلكترونية

يتناول الفيلم بشكل عام موضوع الشهرة الإلكترونية، التي أصبحت منتشرة بسرعة قياسية في بلادنا. أصبح أي شخص قادرًا على التقاط هاتفه وتسجيل مقاطع فيديو دون الحاجة إلى أي مجهود، شهادة دراسية، أو خبرة مهنية، ليحقق شهرة واسعة. لقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي الحق للجميع بأن يصبحوا صانعي محتوى، لكن جودة هذا المحتوى تختلف من شخص لآخر. فهناك من يملك رؤية واضحة ويقدم محتوى هادف ومفيد، وهناك من ينشر فقط لمجرد النشر، مستهترًا بعقول المتابعين.

بالعودة إلى الفيلم، ومن دون الكشف عن تفاصيل الأحداث، تدور القصة حول عائلة تتكون من زوج يعمل محاميًا (يجسد دوره عزيز داداس) وزوجة ربة منزل (تجسد دورها ماجدولين الإدريسي) وابنتهما. بعض الأحداث التي تقع في بداية الفيلم تدفع الزوجة للدخول إلى عالم صناعة المحتوى، حيث تبدأ في تسجيل مقاطع الفيديو والبث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهذه التجربة تفتح أمامها أبوابًا جديدة كليًا، بعيدة عن حياتها التقليدية، وتغريها بمزايا عديدة، مثل المال، الهدايا، والإعلانات المجانية.

المحور الثاني: الدعارة الإلكترونية والحياة المزيفة

تطرق الفيلم أيضًا، ولو بشكل سريع، إلى ظاهرة خطيرة جدًا، وهي الدعارة الإلكترونية، التي أصبحت شائعة على مواقع التواصل الاجتماعي. يسلط الفيلم الضوء على كيف يمكن أن تدفع الظروف الاجتماعية بعض الفتيات إلى سلوكيات غير أخلاقية لجني المال.

إلى جانب ذلك، يناقش الفيلم أسلوب الحياة المزيف الذي يتبناه العديد من المؤثرين، حيث يوهمون متابعيهم بأنهم يعيشون في رفاهية مطلقة، في حين أن الواقع مختلف تمامًا. يضطر بعض هؤلاء المؤثرين إلى خلق حياة وهمية فقط لجذب انتباه المتابعين، وذلك بهدف الحصول على صفقات إعلانية وأرباح مادية من الشركات والعلامات التجارية.

المحور الثالث: التطبيع مع الدياثة

يحاول الفيلم أيضًا التطرق، ولو بشكل غير مباشر، إلى مفهوم الدياثة. ففي ظل الانتشار الكبير لمحتوى غير لائق تنشره بعض النساء المتزوجات، أحيانًا بملابس غير محتشمة أو في مواقف مثيرة، بات من المألوف رؤية أزواجهن يتقبلون ذلك دون أي اعتراض. بل إن بعض الأزواج يظهرون مع زوجاتهم في هذه الفيديوهات، وكأن الأمر طبيعي تمامًا.

يحرص المخرج على توضيح أن ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي ليس سوى تمثيل وتزييف للواقع، حيث يتم إخراج المشاهد بعناية لخلق صورة معينة تخدم مصلحة صناع المحتوى. وللأسف، انتشار هذا النوع من المحتوى يعود بالدرجة الأولى إلى تفاعل الجمهور معه، مما يعكس نقصًا في ثقافة التربية الإعلامية التي تمكن الأفراد من تطوير حس نقدي تجاه المحتوى الذي يستهلكونه على المنصات الرقمية.

المحور الرابع: التأثير الاجتماعي ونظرة المجتمع

يتناول الفيلم أيضًا تأثير هذه الظواهر على المجتمع، مسلطًا الضوء على نظرة الناس لصانعي هذا النوع من المحتوى. فكما يقول المثل الشعبي: “الشيخة لا تخفي وجهها”. من خلال تطور أحداث الفيلم، نلاحظ كيف تتغير حياة الأبطال بعد دخولهم عالم الشهرة، وكيف تؤثر هذه التغييرات على نظرة المجتمع إليهم.

رغم أن الفيلم يعالج قضية مهمة، إلا أنني أرى أن النهاية كانت بحاجة إلى تطوير أكبر لتوصيل الرسالة بشكل أوضح وأعمق. فقد ركز الفيلم على جانب واحد من سلبيات هذه الظاهرة، وكان من الممكن التوسع أكثر في تحليل آثارها المختلفة.

المحور الخامس: أهمية الفيلم في السينما المغربية

كمختص في مجال الإعلام والتواصل الرقمي، أرى أن هذا الفيلم كان ضروريًا جدًا للسينما المغربية. ورغم وجود بعض الإيحاءات، إلا أنها قُدّمت بطابع كوميدي، والأمر الإيجابي هو خلو الفيلم من مشاهد خادشة أو ألفاظ نابية، ما يجعله عملًا يمكن مشاهدته دون أي إحراج.

لو كان الفيلم من إخراج نبيل عيوش، على سبيل المثال، لربما احتوى على مشاهد أكثر جرأة، نظرًا لأسلوبه السينمائي المعروف. لكن روتيني اختار أسلوبًا أكثر تحفظًا، مع التركيز على الرسالة الاجتماعية التي يريد إيصالها.

خاتمة

في النهاية، يبقى لكل مشاهد طريقته الخاصة في تحليل الفيلم ورؤيته للأحداث. ما قدمته هنا هو مجرد رأيي الشخصي، وقد يكون للبعض وجهة نظر مختلفة تمامًا. إن كنتم قد شاهدتم الفيلم، أود أن أسمع تحليلكم ورأيكم حوله.

وأخيرًا، رسالتي الأخيرة هي أهمية التوعية بالتربية الإعلامية ومحو الأمية الرقمية، لمواجهة الاستهلاك المفرط للمحتوى التافه الذي يغزو منصات التواصل الاجتماعي.

مستجدات
error: جريدة أرت بريس