الطاقات الايجابية والدهشة في الإبداع عند النحات د. أحمد عبد العزيز

الطاقات الايجابية والدهشة في الإبداع عند النحات د. أحمد عبد العزيز

الطاقات الايجابية والدهشة في الإبداع عند النحات د. أحمد عبد العزيز




   آربريس/ باريس ـ عبدالرزاق عكاشة.  

عندما تتحدث الارض وجب علينا الانصات

وبشدة ..لتقلبات بطنها وهي تفور تحت أيادي المثقفين اللذين يحولون اللحظة الي قصيدة.

او الهمسة الي قصة.

والتراب الي قطعة نحت من طين الوطن المعطر بالسلام والإنسانية والمحبة .. أما عطر تراب وطين الوطن فلايري بالعين المجردة لجاحد ساذج ..

او حاسد غبي..

عطر تراب وطين الوطن لايري الا ببصيرة مثقف ..

او قلب مبدع ..

هذه البصيرة هي سر يقين المبدع دكتور احمد عبدالعزيز وهذا القلب الذي تربي وترترع داخل جزئين اساسين  من أرض مصر الجزء الأول هي مدراس محافظة المنوفية مصنع الرجال والشهداء والجزء الثاني كلية فنون جميلة القاهرة قسم النحت لذا سيكون المعرض حدث استعادي يتعلم منه القادمين كيفية ركاب القطار بشكل صحيح .وليس مجرد شعبطة علي باب قطر الإبداع فتسقط في أقرب محطة 

أصحاب القامات الصلبة أمثال د أحمد يعبرون كوبرى الليمون صامدين اقوياء لايسقطون حتي يسكن القطار المحطة الرسمية عند أقدام رمسيس الرابض علي باب اللحظة والمحطة ينتظر ابنائة المبدعين لاكمال مسيرة النحت المصرى بشكل لائق بتلك الحضارة.

__

حرص الفراعنة القدماء على وجود حالة من الطاقة الروحية أو التحريضية تجاه الخير في معظم إنتاجهم بعيدا عن الشكل الجمالي الذي أتى كعنصر ثاني ... وكان للطاقة الايجابية المنبثقة من عطر الأرض دورا هام في فكرة الحياة والعودة (البعث) مستندا على الطاقة الروحية، هذه الطاقة الابداعية والمحرضة على الخير ومعرفة الرب -الإله الواحد- كما في تمثال اخناتون نموذجا، جعلت من العرب القادمين من الجزيرة العربية لفتح مصر، والذين صنفو أعمال النحت عندهم كأصنام، يندهشون أمام أعمال المصريين. حتى فكرة الجمال نفسها كفتنه لم تكن أولى اهتمامات النحات المصري لان هؤلاء العرب اللذين يبدعون الشعر لديهم حساسية مفرطة من فتنه الجمال.. وهذا ما جعلهم مثلا يعدون أعمال الرومان المرتكزة على الجمال فقط.

سر الإبداع المصري شيء أخر، سحر آخر، لا تجده إلا عند قدماء المصرين؛ البحث في باطن الأرض عن الخير للإنسان، تأمل الأعمال المحفورة والمنحوتة أولا، ثم المرسومة والمصورة بالألوان ثانيا. واليوم حين تلتقي بنحات مثل د. "أحمد عبد العزيز"، ابن الأرض المصرية، سوف أجد أن اللقاء به يمرّ عبر عدة مراحل من الطاقة الايجابية في الإبداع النحتي. 

 **أول لقاء بالفنان د."أحمد عبد العزيز" في أرض مصر والطاقة الايجابية ***

حالة الطاقة بيني وبين د."أحمد عبد العزيز" النحات المهم والمميز، فأول لقاء كان بيننا في قصر ثقافة قويسنا في معرض "دنشواي" 1991 رغم وجود 2 نحاتين آخرين من المنوفية، أساتذة معه في نفس القسم، إلا أن الدهشة والحيرة بدأت ترتسم على وجهي كشاب صغير مشارك ومؤسس في الحدث. كانت طاقة أرض الفلاحين ورائحة التربة والزرع الأخضر الذي يكسو الطريق الزراعي يصنع شاشة حريرية من البراءة على حدقة العين العطشى لاستعاب إبداع من نوعا خاص ومما يؤهلني لاكتشاف إبداع استثنائي دون غشاوة. فكانت أعمال د.أحمد العاشق لـ"هنري مور" تتسرب إلي البصيرة والوجدان بهدوء. وكانت الأرض تنطوي تحت عجلات قطار المنوفية مستخرجة طين باطن الأرض، طين على طين طبقات متراصه وعليك أن تتأمل ما بين هذه وتلك . الطبقة , عليك أن تدرك عظمة طين طمي الأرض... الذي يسرب إليك طاقات رائعة قبل الذهاب لقاعة العرض. أما في قاعة العرض سوف تندهش من عمل د.أحمد الذي حمل رائحة الأرض وعطرها، ملح الزمن وجماله في صنع طبقات من الحلم بين الكتلة والفراغ. كان أول لقاء بيننا حين صعدنا السيارة متجه إلي" شبين الكوم" من قويسنا في ذلك اليوم، وكان حديثه راقي معي ومع زميله في قسم النحت آنذاك د."علي حبيش. 

 ** 2- الطاقه في إبداع الكتلة والفراغ عند د."أحمد عبد العزيز ** 

حاول "كارد" النحات الأشهر في الحداثة العالمية أن يصنع حالة طيران لأعماله التي ترقص في الهواء، لكن اهمية كارد انه ظلّ محافظا على الرصانة وثبات التمثال على الأرض. هكذا يفعل د. "أحمد عبد العزيز" رغم اهتمامه الشديد بالفراغ، إلا أن للكتلة دلالات قوية في الثبات. وفراغ التمثال المحمل بقاعدة راكزة ومحترمه لا تهتز؛ حالة الثبات تعطي قوة تشعر العين بجماليات وتعب الفنان الواعي على عمله وبحثة المستمر . وتعطي لك إشارات باثقة عن ارتشاف الفنان طين أعماله من تربة خصبة غنية في ريف مصر العطر لتقف بقوة واتزان أمام أعمال فنان مهم مثل "هنري مور". لكن المدهش هو ابتعاد د.أحمد عن فكرة التشخيص والميل تجاه الاختصار في الشكل بالطبع إلا في أعمال الشخصيات كنحت مباشر. في أعماله الإبداعية الأمر يختلف؛ يبتعد عن المباشرة لصالح التعبير فتشعر انك أمام فنان عاشق للتعبيرية الألمانية. مثلا بعد الحرب العالمية الثانية ثقافة د.أحمد البصرية والإنسانية معلقه على أهداب أعماله الرصينة التي تحاور الأرض، العامرة بالخير. هذه الطاقات المباشرة والغير مباشرة لدى هذا النحات مستمدة من باطن التربة. أنظر حتى لأسماء أعماله الأولى؛ عمل نحتي فاز بجائزة الكويت، "طين الأرض محروق"وعمل باسم "البذرة". *وعمل باسم جاذبيه القمر وأخيرا أعماله التي تحوي عدة كتل على مركب باسم الحبو تجاه السلام. لو تأملت هذا العمل تحديدا، تندهش من الاختصار والتعبير وحضور الكتلة بقوة مع جماليات الفراغ بين الأشكال أو خارج المركب نفسها في فضاء القاعة بالفعل نحن أمام فنان لديه يقظة وإدراك حسي شديد لعجينة النحت بين أنامله تشعر وكان يده تشم رائحة الأرض الذكية. 

** 3- نحات فرعونى بجدراة ** 

يلتقي د.أحمد وأجداده الفراعنة في صنع طاقة الخير لكي تكون مرشدا رسميا للقادمين على نفس الدرب. أعمالة تدهشك وأنت تبصرها، وتحاورك وأنت تدور من حولها. تفك الرموز والإشارات فيها وأنت تتأملها برفق. تبوح لك بالأسرار وأنت تتعامل إنسانيا معها. كلها دلالات قادمة من نحاتي مصر على شاطئ نيل الخير القديم. يستحق د.أحمد التكريم والكتابة عنه والوقوف أمام أعماله كثيرا جدا. وأعتذر أني تأخرت كثيرا في الكتابة عنه، لكن خميرة طين أرضي وأرضه كانت لم تختمر بعد لكتابة نص يعالج إبداع أصيل ورصين.

باريس، "عبد الرازق عكاشة"؛ 

ـ عضو مجلس صالون الخريف الدولي باريس

ـ عضو الجمعية الدولية للنقاد الأجانب وزارة الخارجية الفرنسية


مقالات دات صلة

التعليقات