كلنا يعيش لهدف، فهناك من يعيش ليأكل، وهنا من يأكل ليعيش، وهناك من يعيش ليحقق أهداف سامية نبيلة، وفق ما تشير له بوصلة القيم، التي تشدد عليها جميع الديانات، من أجل تعمير الأرض، وحتى يتم تفعيل هذه القيم على هذا الكوكب لابد من نواة صالحة تشع بالخير في جميع أرجاء المعمورة ألا وهي الأسرة، التي يجدر أن تحفها المودة والرحمة، ومع الأسف الشديد فقدت المودات والرحمات وتفككت الكثير من هذه الأسر وأقيم عليها مأتمًا وعويلا. فلنضرب الآن ناقوس الخطر دون حرج، حيث تشير الاحصائيات لنسب طلاق مرعبة تهدد الاستقرار الأسري والمجتمعي، بلغت هذه النسب في بعض الدول العربية إلى أكثر من 65%، خاصّة في السنة الأولى من الزواج، فكيف نوقف هذا الإعصار الهادر الزاحف لبيوتنا؟
المودة والرحمة بدأت تتبخر بين الأزواج، حتى أننا ألفنا سماع طقطقة طاء الطلاق مرارًا وتكرارًا في هذه الأيام، بينما في الماضي لا نسمع هذا الطنين إلا نادرًا ومنحصرًا في العوائل الشاذة، أما بيوت هذا الزمان اعتادت هزّ عرش الرحمن باللجوء لما يبغض الله، فهل هناك دواعي ودوافع تسبب ارتفاع معدلات طلاق الأسرة؟، البعض يعزو تفاقم المشكلة إلى تضخم حالة المقارنة مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الأعباء المالية التي يعجز الزوج عن سدادها، وكذا اختلاف الميول والمستوى التعليمي، حيث ينتج عنه ما يسمى بصراع الهيمنة والرغبة في السيطرة على الآخر، مما يزيد من منسوب وتيرة العنف واستفحال المشاكل الأسرية.
قد تكون شرارة القداحة لأتون هذه المشاكل توافه بسيطة، لكنها تقوض بناء المجتمع وتفكك الأسر، هذه التوافه والأحداث الصغيرة هي شرارات متلاحقة تؤدي إلى حدوث الشرخ، فالظاهر للعيان أنّ جذر المشكلة نتوء حقير؛ إلا أنّ خلف هذا النتوء، جبل من جليد، يقع أسفل سطح المشكلة، وقد لا يظهر للعيان، نسمي هذا الجبل الخفي متلازمة ظهر البعير، فما هي هذه المتلازمة؟، ببساطة هي سلسلة الأزمات الصغيرة المتوالية، نقاط صغيرة من المشاكل المسكوت عنها تجتمع لتشكل وابلًا وشلالًا جارفًا، فما هو الحل؟، الحل هو أن نعتذر عن الخطأ الصغير قبل أن يستفحل، أن نفرغ الحمولة أولًا بأول، بمعنى المباشرة الفورية بالاعتذار عن الأخطاء فور الوقوع، وعدم الاستعلاء والتحرج، حتى لا ينكسر الصخر في الضربة المليون، كثيرًا ما نقول: (القشة)، التي قصمت ظهر البعير. هذه القشة رغم ضآلتها تضيف قيمةً ورقمًا يساوي رجحان كفة على أخرى، بعدها يخرّ عليهم السقف من فوقهم، علينا أن نصفح بيوتنا بصفائح الصفح المتين، حتى لا يصدق عليها نعت (بيت عنكبوت)، من شدة الضعف والوهن، فالبيوت المطمئنة هي التي تتخلص من هذه المتلازمة بتسريح الضغوط بصورة دؤوبة مستدامة، قبل أن يغلي قعر المرجل، فرب قشة قصمت ظهر البعير إذا لم نتدارك!
عبدالعزيز آل زايد