آربريس / محمد الوادي
أحاول، يائساً، أن أرتّبَني على إيقاع صرخات قادمة من رحم أرخبيل جغرافيا الألم، على أمل أن أتساكن معي مكرهاً، وأعْقِد صلحاً تاريخياً مع ذاتي، ومع زمن خارج عن الزمن، ومع آخر مختلف شبه قادم من حدود متنازع عنها لا يفقه قولي.
سلام علي أيها أنا حينما ولدتُ، وحينما ترعرعتُ وأصبحتُ على الهيئة التي أنا عليها، وأصبحتُ متكلماً أحاججني فأثبت وأفند بالبراهين القاطعة، وأقسم باليمين الغليظة، أن ما تراه العين ما هو إلا مجرد وَهْم، وأن الحقيقة تبقى، إلى الأبد، غائبة ومغيبة، وأن كل من ادعى امتلاكها إنما هو مشعوذ زمانه وكل الأزمان.
وسلام علي حينما أصبحت فيلسوفاً أقارع فطاحلة الفكر والمتكلمين في زمن الصمت وأكتبني في زمرة الأنتلجانسا
وأحاول، بسلاسة مبالغ فيها، أن أبعثرني، وأمزقني حتى أتلاشى وأغدو مجرد كائن ورقي، مجرد نشوق شفافة مبللة بمياه أمطار خريفية كتب عليها هنا ترقد روح الحكواتي الليلي.
سلام علي أيها أنا يوم انشطرتُ ورحلتُ، في صمت، وتحولتُ إلى فكرة وذكرى، وأصبحتُ قبلة المكتوين بالتنقيب في الذكريات الغائرة.
وأقول لكم، والعهدة علي أنا المتكلم الغائب، أنني، وأنا هنا أو هناك، أستعرض على شاشة خاصة ما يُلَاكُ كنميمة، أتفحصكم واحداً واحداً، وأُشرِّحكم، وأقرأ نواياكم ذات الأبعاد الثلاثية والرباعية والخماسية بمنظار جد خاص.
ويأتي ليل آخر مكتظ بالتأملات، وأنا أعزف على ناي أبي العلاء المعري وأردد بيته الشعري الشهير:
أبكت تلكم الحمامة أم غنت
على فرع غصنها الميّاد
هو ليل كالليالي الماضية محمل بالغيوم الباكية..
أيها الناس هذا أنا الحكواتي الليلي أسرد على مسامعكم حكايات غريبة وعجيبة نسجت خيوطها، ببراعة تامة، جدتي رحمها الله، وقصتها علي، في ليالي البرد والظلام، بالتقسيط والتشويق والترتيب الدقيق كمشاهد سينمائية. ومن ساعتها وأنا أهيم في الطرقات والمداشر، كما مجذوب، وأحكي للناس ما عَلِق بذاكرتي. يَتحلَّق حولي الصبيان. وبعدما يرتوون يهربون مقولي إلى أقاربهم. وحينما تكتمل الدائرة واستدارة القمر وتتعزز لغتي باشتقاقاتها أقول وأنا منتفخ كالديك الرومي: اسمعوا أعزكم الله هذا الماثل أمامكم لا يهمه غير أن يحكي ويتحدث ويوصل الخبر، ألسنا في زمن المعلومة؟ وزمن الأخبار الزائفة والمزيفة؟ لست مصلحا لأصحح ما أفسده الساسة والطغاة من الحكام، ولا مؤرخا لأمحص الأخبار وأنقحها من الشوائب، وإنما أنا مجرد مجنون تائه في أرض الله من أجل أن يحكي لعباده ما لم تبصره العين، وأدركته البصيرة. أحكي بطريقة أزعم أنها مختلفة.





















































