.

«أمشي ويصل غيري» جديد الشاعر المصري سامح محجوب

«أمشي ويصل غيري» جديد الشاعر المصري سامح محجوب

آربريس / سيل من المفارقات ينزّ من الديوان الشعري الأحدثأمشي ويصل غيريللشاعر المصري سامح محجوب الصادر مؤخرا عن دار ( الشؤون الثقافية العراقية)؛ ليصنع حالة شعرية فريدة عبر صور متتابعة تبدو قابعة في عمق الروح، اكثر من حضورها الفعلي على سطح العالم.

يستهل الشاعر ديوانه بمفارقة تبدو مخيفة بل كأنها كابوس، عبر جملة مركبة درامياليسَ أصعبَ مِن أن تواجهَ ذاتك في حافلةٍ ليليةٍ سائقُها مخمور، وتفوح رائحة المجاز من هذه الصورة، كما تتجلى الاستعارات والكنايات وغيرها من صنوف البديع لتكلل الصور الشعرية بتاجها ثنائي القطب، ما بين قدرتها على بث الجمال في نفس المتلقي، وتمكنها من النفاذ إلى صميم روحه كسهم ثاقب.

الرغبة في سحق العالم والتبرؤ منه ومضاهاته تلوح في أكثر من صورة وتعبير، وربما يكون رثاء الوطن بطريقة تهكمية بما يحمله من رمزية ومن استدعاء شعري لفكرة التحية والنخب والشرب في صحة الوطن، أو لنقل على جثته المهترئة، هكذا تأتي قصيدةنسر مهزوملتعيد صياغة العلاقة بين الإنسان ككيان فردي، والوطن كمساحة للاحتواء والحضور والتحقق، إلا أن الطابع الرثائي التهكمي العدائي الحزين يحيلنا إلى مفارقات لا نهاية لها، حول المحبة والكراهية، الرفعة والخنوع، القوة والهزال، وكأن صورة الوطن المهترئة الذابلة هي انعكاس لزوال العالم في عين الشاعر.

محجوب الذي أصدر من قبل خمسة دواوين هيلاشئ يساوي حزن النهر” 2006 والحفر بيد واحدة” 2010 ومجاز الماء” 2015 وامرأة مفخخة بالياسمينينتظرها عاشق أعزل” 2017، ظل مخلصا لشعر التفعيلة او الشعر الحر بقوافيه وجرسه الانسيابي المحبب لدى جمهور الشعر لفترة طويلة، إلى أن اتجه لكتابة قصيدة النثر في ديوانهيفسر للريح أسفارها” 2019 .

ولكنه في ديوانه الأحدث يعود مرة أخرى إلى عوالم التفعيلة الثرية بالمحسنات والصور الغرائبية المدعومة بالوزن والقافية، في تجربة عملية تؤكد أن الإبداع قادر على أن يتجاوز الشكل ويتكرس في المضمون.

وتتنوع الموضوعات التي يتضمنهاأمشي ويصل غيري، إلا أن الحس الصوفي والصور الموغلة في التجلي والوصول إلى عمق الكون من خلال نافذة الإنسان البسيط تكاد تكون من أفضل القصائد التي تتضمن تناصا مع نصوص الصوفية مثلما في الجبة غير اللهما في الجبة غيري  في قصيدةالبيان الأخير لابن منصور الحلاج، والتي يختتمها بطريقة درامية لا تخلو من مفارقة وطرافة وخيال ” “واتّحدت/في ذاتي/ الأضداد/ وانصهر/ الفاني/ بالفاني

سبحاني/ من شاء/ رآني“.

ويحتشد الديوان بالصور الرومانسية والموحية والقادمة من عمق الزمن، مثلسر النعناعوبكائية لكمان يوهان شتراوسونانسيوسوبرانووفي الوقت نفسه المرثيات الزمنية مثل قصائدمقابر جماعيةوالقيامةوالشاعر الرجيموالأربعينيات، ليقدم الديوان تجربة ثرية موغلة في الرمز والمجاز، وفي الوقت نفسه، سابحة في فضاء الحلم ملقية بظلها على أرضع الواقع في عنف رمزي يقابل به عبث وعتمة العالم.

مستجدات
error: جريدة أرت بريس