آربريس / بوشعيب خلدون : يحتضن رواق محمد الفاسي بالعاصمة الرباط معرضاً فنياً مميزاً للفنانة التشكيلية فاطمة العسري، والذي يقام تحت عنوان مثير للتأمل: “بدون عنوان”. يستمر المعرض من 4 إلى 17 ديسمبر، ويقدم تجربة بصرية غنية تدعو الجمهور إلى استكشاف عالم مليء بالتساؤلات، حيث يتحول الغياب إلى حضور مشحون بالدلالات المتعددة.
بين الغياب والحضور: فلسفة بصرية معقدة
وصف نورالدين بوركة، الباحث في الفنون البصرية المعاصرة، أعمال فاطمة العسري بأنها “صرخة بصرية”. اللوحات ليست مجرد مساحات مرسومة، بل تضاريس معقدة من الألوان والأشكال المتشابكة. تتلاقى الألوان لتخلق تفاعلات عاطفية متضاربة، تتنافر في بعض الأحيان لتثير إحساساً بالاختناق، كما لو أن اللوحة مرآة مشروخة تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة عالم متسارع لا يتوقف عن التغير.
في فضاء “بدون عنوان”، تُبرز الفنانة لحظات انكسار الهوية وارتباك الذات وسط طوفان الصور الحديثة، حيث تسيطر الأشكال الهندسية التي تبدو وكأنها تبتلع المعاني التقليدية، مما يترك المشاهد أمام تجربة فكرية وفنية تجعله يعيد التفكير في علاقته بالزمان والمكان.
فاطمة العسري: مسيرة فنية غنية ومتعددة الأبعاد
الفنانة فاطمة العسري، القادمة من مدينة المضيق الساحلية بشمال المملكة، ليست غريبة عن الساحة الفنية المغربية. خريجة المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، استطاعت على مدى أكثر من عقد من الزمن أن تبني لنفسها مساراً مميزاً في الفن التشكيلي والسينوغرافيا.
شاركت العسري في العديد من التظاهرات الفنية الكبرى، من أبرزها:
- الإشراف على سينوغرافيا المهرجان الدولي للعود بتطوان 2023.
- تصميم سينوغرافيا ملتقى الأندلسيات بشفشاون.
- العمل على سينوغرافيا عروض مسرحية متنوعة، مما يعكس براعتها في تحويل الفضاءات إلى تجارب حسية متكاملة.
كما نظمت العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل المغرب وخارجه، حيث حملت أعمالها دائماً بصمة عميقة تعبر عن هوية فنية متجددة.
“بدون عنوان”: بين الفن والفلسفة
اختيار الفنانة لعنوان “بدون عنوان” ليس محض صدفة، بل هو انعكاس لرؤيتها الفنية والفلسفية. تشير فاطمة العسري إلى أن الأعمال الفنية ليست بحاجة إلى تفسير محدد أو عناوين مقيدة، بل يجب أن تظل مفتوحة على قراءات متعددة تعكس تجارب المشاهدين الشخصية.
في هذا السياق، تتحول اللوحة إلى مساحة حرة تسائل القيم والمفاهيم السائدة في عالمنا الحديث. الغياب في أعمالها ليس مجرد فراغ، بل هو عنصر حاضر بقوة يدعو المشاهد لاستكشاف ما وراء المظاهر.
عالم يتحدى الصور النمطية
تتميز أعمال فاطمة العسري بتفاعلها مع القضايا الإنسانية الكبرى، مثل هشاشة الإنسان وسط العولمة، واغتراب الذات في عالم رقمي تغمره الصور. لوحاتها تعكس هذا الواقع بتشابك فني جريء، حيث تبدو الأشكال وكأنها في صراع دائم مع نفسها.
كل لوحة تحمل في طياتها دعوة للتأمل العميق في جوهر الوجود، في زمن أصبحت فيه الصور أكثر كثافة من المعاني.
المعرض كمنصة للحوار
معرض “بدون عنوان” في رواق محمد الفاسي لا يقتصر على كونه فضاء للعرض الفني، بل يمثل أيضاً منصة للحوار بين الفنانة والجمهور. فمن خلال أعمالها، تسعى فاطمة العسري إلى تحفيز النقاش حول مفاهيم الهوية، الغياب، والوجود الإنساني، مما يجعل المعرض تجربة ثقافية وفكرية شاملة.
رؤية مستقبلية
مع كل خطوة تخطوها في مسيرتها الفنية، تثبت فاطمة العسري أنها فنانة تسير بخطى واثقة نحو آفاق جديدة. أعمالها تجمع بين الجمال البصري والعمق الفلسفي، لتشكل جسراً بين المشاهد وعالم مليء بالأسئلة.
“بدون عنوان” ليس مجرد معرض فني، بل هو رحلة تأملية تتحدى الصور النمطية وتفتح أبواب الإبداع على مصراعيها.
ختام: الفن كمرآة للإنسانية
بمعرضها الجديد، تؤكد فاطمة العسري أن الفن ليس فقط وسيلة للتعبير الجمالي، بل أيضاً أداة لاستكشاف الذات والمجتمع. معرض “بدون عنوان” هو فرصة للجمهور المغربي والعالمي للاستمتاع بتجربة فنية غنية تلامس جوهر الإنسانية في عصر مليء بالتحديات.