آربريس / كتب ذ. الكبير الداديسي : ظل الاحتفال برأس السنة الفلاحية أو التقويم الأمازيغي في المغرب شعبياً ومتغلغلاً في عادات المغاربة، حيث يشكل جزءاً من تقاليد الشعب المغربي، بعيداً عن الاهتمام الرسمي. فمنذ القدم، وأمازيغ المغرب، كباقي أمازيغ شمال إفريقيا وأمازيغ الشتات في باقي العالم، يخلدون كل 14 يناير بطريقتهم الخاصة، ويحتفلون برأس السنة الأمازيغية دون أن تتعطل الحياة العامة للدولة ودون أي احتفال رسمي بالتقويم الأمازيغي، الذي يعد من أقدم ما عرفته الإنسانية من تقاويم.
لأول مرة في تاريخ المغرب، يخلد المغاربة شعباً وحكومة يوم الثلاثاء 14 يناير 2024 عيداً رسمياً مؤدى عنه الأجور، في إطار تنفيذ التعليمات الملكية السامية بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية. هذا القرار يأتي تفعيلًا لبنود الدستور المغربي، الذي يعتبر الأمازيغية من أهم مكونات الهوية المغربية.
تاريخ التقويم الأمازيغي
وإذا كان التقويم الإسلامي أو المسيحي والعبري مرتبطاً بأحداث دينية لها علاقة بالرسل والأنبياء، فإن التقويم الأمازيغي – وإن اختلفت الآراء حوله – يرتبط عند البعض باعتلاء الزعيم الأمازيغي شيشرون (أو شيشانغ) العرش الفرعوني عقب الانتصار على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة سنة 950 قبل الميلاد. هذا الملك الذي تحاول دول شمال إفريقيا نسبته إليها، رغم أنه عاش في عصر لم تكن فيه تلك البلدان تعرف التقسيمات السياسية الحالية. ومهما اختلفت تأويلات هذا الحدث، فإن رأس السنة الأمازيغية يكاد يتشابه مع رأس السنة الميلادية في ارتباطهما بشهر يناير، مع اختلاف التفاصيل الرمزية.
رموز وأساطير الاحتفال
يرتبط رأس السنة الأمازيغية بالأرض والخصوبة. من تجليات هذا الارتباط إعداد مأكولات خاصة، حيث يعد العشاء من الكسكسي بسبع خضر كرمز لخيرات الأرض وثرواتها. وفي بعض مناطق الأطلس، يعلق الأمازيغ حبات الرمان في الصيف ويحتفظون بها حتى رأس السنة الأمازيغية. الفطور غالباً ما يكون “بركوكس”، وهو طحين مفتول يطهى ويسقى بالعسل أو الزيت، وكل ذلك مرتبط بخيرات الأرض.
ومن أشهر الأكلات في هذه المناسبة العصيدة أو “تاكلا”، التي تعد وتؤكل في أجواء احتفالية. في بعض المناطق، يتم إخفاء حبة تمر داخل العصيدة، ويعتبر محظوظاً من يجدها.
دلالات التسمية
يطلق الأمازيغ على المناسبة تسميات منها “الناير”، وهي تحوير لكلمة “يناير” المركبة من “يان” (الأول) و”أيور” (الشهر)، مما يعني “الشهر الأول”. في مناطق أخرى، تُعرف المناسبة بـ”تاكورت أوسكاس”، أي رأس السنة. المغاربة عامة، عرباً وأمازيغ، يسمونها رأس السنة الفلاحية، التي تتأخر عن السنة الشمسية الميلادية بـ13 يوماً.
العادات المرتبطة بالمناسبة
تكتسب المناسبة طابعاً قدسياً، حيث يُنهى فيها عن الكنس والغسل اعتقاداً بأن البركات تنزل في هذا اليوم. إلى عهد قريب، كانت المناسبة فرصة لتجديد أحجار الكانون الأمازيغي، المكون من ثلاث حجارة تُستخدم للطهي. لكن هذه العادة اختفت تقريباً مع انتشار المطابخ الحديثة.
الاحتفال الرسمي: خطوة نحو الاعتراف بالهوية
على الرغم من حرص الدول على الاحتفال برأس السنة الهجرية والميلادية، فإن المملكة المغربية أقدمت هذه السنة على خطوة نوعية بجعل يوم 14 يناير عطلة رسمية. هذا القرار يُعيد الشرعية لأقدم تقويم في المنطقة، ويُبرز أهمية رأس السنة الأمازيغية كمناسبة وطنية ذات جذور ثقافية عميقة.
تعزيز التعدد الثقافي
يعتبر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تجسيداً لروح التضامن والارتباط بالأرض، ويكرس غنى الثقافة المغربية. كما يُعيد الاعتبار لقيم صمدت على مدى 2975 سنة. دخول تاريخ 14 يناير في رزنامة العطل السنوية يعزز وحدة الشعوب ويدعم المشترك الثقافي، مما يجعل رأس السنة الأمازيغية مناسبة قومية توازي رأس السنتين الهجرية والميلادية، تعبيراً عن غنى الهوية الحضارية للمغرب.
الخلاصة
ترسيم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يمثل انتصاراً للهوية المغربية والدستور، الذي ينص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة، موحدة بانصهار كل مكوناتها. هذا الاعتراف الرسمي يعزز مكانة الأمازيغية كرصيد مشترك لجميع المغاربة، ويؤكد أن الاحتفال بهذه المناسبة ليس إلا تأكيداً على غنى وتنوع الموروث الثقافي للمغرب.
#رأس_السنة_الأمازيغية
#التقويم_الأمازيغي
#ناير
#تاكورت_أوسكاس
#الهوية_المغربية
#الثقافة_الأمازيغية
#الاحتفال_الرسمي
#عادات_أمازيغية
#يناير
#الموروث_الثقافي
#الدستور_المغربي




















































