- الفنان عبدالرازق سعد عكاشة ،المنوفية ١٩٦٨.
- محل الميلاد ،بلدة عرب الرمل ، قويسنا محافظة المنوفية
- سذاجة التعبير البدائى الوحشى فى مواجهة وقائع الحياة اليومية
- الفنان عبد الرازق عكاشة نموذج فى هذا الإتجاه الفنى .
ترددت كثيرا بالكتابة عن أعمال عبد الرازق عكاشة ، بوصفه ناقدا جريئا ومجاملا فى بعض الأحيان. وصديقا لي فى ذات الوقت ..وبقدر ما يشدني فى كتاباته النقدية ، مفرداتها الادبية وزخم المعانى الشارحة وموضوعيتها .لم يكن حماسى بذات القدر لأعماله التصويرية .!! إلى أن شاهدت العديد منها معلقا على جدران متحفه الجديد ( دارنا ) بجزيرة وسط نيل مصر ،
من بين العديد من مقتنياته الفنية لفنانين مصريين وأجانب معروفين..وقتها تأملتها جيدا ، وعاودت قراءة روايتها البصرية ومعالجتها التقنية الفنية ..وادركت ساعتها انه قد قدم شيئ كمصورله خصوصية .إلى جانب عكاشة الناقد .. الذى عادة ما يتحدث عن نفسه بلغوا وحماس وثقة قد يساء فهمها لدى البعض .مع انى أتفهم ذلك جيدا .ولذات الصفات التى ذكرتها للتو ، تحمست للكتابة عنه لان ايجابياته فى معترك الحياة كثيرة .
إذ يحسب له انه الفنان والناقد الوحيد المصرى الذى هاجر إلى فرنسا وحمل جنسيتها ، ولايزال يتردد على وطنه الام .، ويلعب دور الوسيط المستنير بين شمال المتوسط وجنوبه ..يفعل ذلك عن طيب خاطر وقناعة تامة ..لأنه لم يتخلى عن مواطنته ، وأهله واصدقاؤه الكثر.. ودوره الايجابى فى مد جسور الصداقة والتعارف ، والتلاقى بين الفنانين وبعضهم البعض. ..بينما قد سافر الى فرنسا عدد من الفنانين المصريين ، قبله وبعده ، واقاموا هناك عدة سنوات .. ثم عاد بعدها البعض ، وبقى البعض الآخر بقية حياته ولم يفعل اى منهم شيئ مفيد لصالح الفن والفنانين على أرض الوطن الأم !!!.
عكاشةداخلالإطار
معروف لدى التشكيليين فى مصر والمنطقة العربية وبلدان اجنبية أخرى بكونه ناقد تشكيلى، ومصور ،وباحث فى الفنون البصرية ومحاضر. . صدرله عدد من الروايات الادبية والكتب المتخصصة فى الفن والفنانين .وكتب العديد من المقالات والدراسات النقدية فى عدد من الصحف العربية والاجنبية .. وكذلك على صفحته بالفيسبوك…
خلال التسعينيات، كان قد تخرج فى كلية الإعلام جامعة القاهرة. وشق لذاته طريق صعب نحو تعلم أصول وقواعد فن الرسم ، وكذلك النقد والتذوق الفنى. غير أن تطلعاته الفنية والمهنية ، كانت تتطلب تغييراً جذريا فى حياته الشخصية التى لم يجد لها بديلا مناسبا سوى خارج الوطن الام . فقرر السفر الى فرنسا عام ١٩٩٢م .، حيث استقر به المقام فى باريس، وتزوج من فرنسية وانجب منها و…تجنس بالجنسية ا الفرنسية.
عبد الرازق وانا ………
تعود معرفتى بالناقد التشكيلى المعروف بعكاشة إلى سنوات قليلة ،مضت ومازالت مستمرة .هو شخصية محورية جدلية نشطة ، فى مجال الفنون البصرية والإبداع الإنساني النزعة . يتناول بالكلمة الادبية الرشيقة ، والقراءة التحليلية النقدية المتماهية السرد .العديد من الاعمال الفنية لدى فنانين من أنحاء مختلفة من دول العالم ..فى محاولة جادة منه تقريب المسافات البعيدة بين لغة الإبداع الفنى أينما كانت ، ولمن كان من مبدعيها .
بهدف الترويج والتثقيف والتوثيق..لمن يهمه امر الإبداع الإنسانى ونوعيته ونزعته وجماليته الفنية الرائعة . .وهو بذلك يلعب دورا مهما على خارطة التشكيل والتعبير البصرى الدولى بمهارة ، وبصورة لافتة ، بمن فيها مصر بصورة خاصة ..فكم من مقالات نقدية كتب..وكم من معارك خاضها مع خصوم له ، وكم من مرة يعتذر عن الكتابة لشعوره بميوعة المواقف السلبية من قبل الفنانين أصحاب الشأن ، ثم يعاود الكتابة بحماس مرة اخرى حالما يدرك اهمية ما يقدم ، وما يلاقيه من استحسان وتأييد البعض له .
البداية…..
الفنان ابن بيئته ونشأته. . نعم ان لعامل البيئة المحلية بموروثها الإجتماعى والثقافى وثرائها الطبيعى الخير ..اثر على فكر ووجدان الإنسان بوصفها الجذر والأصل. ولاسيما الفنان..وايما كان حال الوضع الاجتماعى ومستوى المعيشة والتعليم وأشياء أخرى..فهو يبحث دائما عن مايلبى متطلبات حياته الشخصية والفنية والاجتماعية والثقافية..فإذا ما توفرت على أرض الواقع وقنع بها خيرا لذلك ، وإذا لم يجد مايلبى طموحه، فليبحث عن مكان آخر داخل أرض الوطن أو خارجه. هكذا عرج عكاشة على باريس واستقر به الحال بعد صعوبات عديدة صادفته..ومع هذا مكنته قدرته على التفكير وتعلم اللغة ، والتنقل ، وسعة حيلته على التأقلم والاندماج السريع فى محيط ثقافى مختلف تماما عن مصر والشرق المحافظ .لقد جعل توجهه الفنى اكثر صحة ومرونة داخل النمط العام الباريسى.فقد امكنه ان يغير وينمى بصورة جذرية رؤيته وثقافته الجمالية بما يتلائم و” الطبيعة الوحشية البدائية..” التى تمثلت فى أعماله الفنية لاحقا .من رسوم ابيض اسود ،ولوحات تصويرية .
فالصورة عنده حالة مزاجية ، جملة تراكمية ، تتشكل بفعل الفكر والأدب وردة الفعل ، والتعاطف الوجداني مع طبيعة المثير الابداعى. .لكى تزودنا برموز الغضب والقلق ..أو على العكس من ذلك بمشاعر الحنين والالفة الطيبة ، والآمال العالقة ..واللون بكثافاته وطبقاته السخينة ورمزيته الفسيولوجية والسيكولوجية ..والتحديدات الخطية المرتجلة ..تشكل قوام التشكيل والتعبير الأساسى للوحاته التصويرية ..ومع ذلك قد تبدو للوهلة الأولى غريبة على عين المتلقى لها لدى طلاب الفن ومحبينه ، وربما الفنانون والنقاد أنفسهم ..لا لشيئ سوى انها _ حسب فهمهم للفن _ تفتقر إلى المعالجة الاسلوبية الاكاديمية المعتادة، من حيث العناية بالرسم والنسب التشريحية والمنظور الهندسى واللونى ، والتكوين الخ .. وقد تبدو للبعض وهم قلة ، انها مثال للفجاجة والحوشية البدائية..وتمثل فى طرحها روح الحقيقة وصدق اللاشعور ..و_ أنا منهم _ إذن فالحكم القيمى على تجربة الفنان ومنجزه الفنى والجمالى يتطلب فهما أوسع لمفهوم الفن ، اتجاهات وتوجهاته الجمالية والإنسانية الحافلة بالمعانى والدلالات ..أن هذا الخلاف فى النظرة والتقييم قد تزيد من صعوبة الخصائص الجمالية ، وتشويه الماهية الباطنية التحررية لهذا النوع من النمط الفني الفطرى / الغريزى الذى يحمل فى ذاته السكونى والحركى ، الريفي والحضرى ، المحافظ والتقدمى ، المشخص والمجرد ..والإحساس بالقوى الحية للفردية التجريبية..التى تنبثق من النظرة الحضرية لواقع الحياة الآنية.
وبالنظر إلى مجموع لوحاته المعروضة بمتحفه الجديد ( دارنا ) يمكننا أن نلحظ بوضوح شخصية ابن بلدة عرب الرمل بقويسنا، وثقافة ابن المدينة المتحررة باريس ، ونزوعا فنى ينتج بفضل التوترات الحاصلة الان ، والمقاصد المؤملة ، والحقائق المغيبة فى البلدان النامية التى لا تعير اهتمام بالحرية والديمقراطية والبراغماتية..أو تلك التى يسودها التعصب والتميز العرقى واللامساواه فى الحقوق والواجبات..وكأن الفن موقف ورسالة إنسانية فى المقام الأول. تشير إلى كل ما هو مضاد لروح الخلق والابتكار والجمال ، وحرية التعبير .
داخل الاطار .. التكيف والتماهى مع روح العصر
اشارة إلى ما سبق لرحلة الفنان ونتاجه المتنوع فى الفن والرواية الأدبية والنقد التشكيلى. بالإضافة الى تكيفه فى الوسط الاجتماعى والثقافى الجديد..كان فرصة كبيرة من اجل تنويع مصادره الفنية ، عبر الاسفار والتجوال فى كافة البلدان الأوربية وزيارة متاحفها المختلفة والاطلاع على روائع الاعمال الفنية لأساطين الفن عبر العصور.
مما اكسبه قدر كبير من الثقة والحماس والعمل المتواصل ..موصول بخاصية التعبير الثورى الفوري، الأكثر دينامية وفردية وحداثية ..وهو بذلك يجعلنا ندرك اهمية ما كتب عن متحف اللوفر و، سيزان وبيكاسو ، ماتيس ،ايجون شيلى وكليمت ، كوكوشكا ، كارل آبل وغيرهم ..اضف إلى هؤلاء الموهوبون العظام اسماء أخرى من (المتمردين الجدد ) ايريك هيكل ، ايميل نولدة ، كارل شميدت، ، راؤول بوفى ، اندرية ديران ، ماكيه …اولئك الذين اكتشفوا الفن الافريقى ، وطوروا اهتمامهم بالبدائية بالمعنى الواسع .وبينما كان براك وبيكاسو يطوران مفاهيم التكعيبية التحليلية ، كان موريس فلامنك وأندرية ديران وجورج روو، وفنانى التعبيرية الألمانية ..يرسمون مواضيعهم الإنسانية ومناظرهم بثقة وقسوة ، ومحايدة اللون الواقعى، والنسب التشريحية والمنظور ، تعبيرا عن المشاعر الخفية والمخاوف التى كانت تؤرق حياتهم الخاصة ….كل هذا الزخم اللافت، والثراء اللونى ، وقوة الخط ، والتكوينات المتنوعة والتمرد الحاصل على الاتجاهات السابقة عليهم .كان له من دون شك ا اثر ما على فكر وحواس وأداء عبد الرازق عكاشة .وذلك لا يعني تقليلا من قدره الفنى .ابدا لأن هؤلاء الفنانون الذين ذكرتهم كان لهم رواد تأثروا بهم ، مثل سيزان ، جوجان، فإن جوخ ، بيكاسو ، ماتيس وهكذا حال الفن دائما ابدا.
وعودة إلى أعمال الفنان المتمرد .عكاشة ومشاهدة أعماله الفنية مُجمًعة ، بشيء من التعقل ، والتعرف على موضوعاتها وتكويناتها وصياغتها تحت مسميات مختلفة مثل (كورونا ، والتعرى السياسي ،مائدة الجوعى، شهيد فى غزة ، قطار الظهيرة والفلاحين فى جمع القطن ،غيط عمتي إحسان، شهيد الثورة ، مصطبة جدي وغيرها كثير ..) .وكلها منفذة بالألوان الزيتية على مساحات كبيرة ندرك مقدار الطاقة الكامنة، والفطرية النقية ، العاطفية الجياشة فى التعابير المجازية كنص بصرى مواز لتمثيلاته الشكلية المشوهة و المشوشة احيانا ، التى تحمل معانى خفية لصراعات الإنسان الداخلية …فى ذات الوقت هو بقادر فى هذه الحالة الذهنية والنفسية المتقدة على أن يجعل من الممكن اتقاء الألم والوجع، وغير المحتمل والوحشى .. عمل فنى يشمل الارتخاء البسيط ،والاندماج والتكثيف للوصول إلى عمق التجربة الفنية بجماليتها الفانتازية والإنسانية.
هذا هو عبد الرازق عكاشة كنموذج مختلف ، نتفق حول شخصه ومنجزه الفنى أو نختلف .
د.رضا عبدالسلام / 2 ـ 2024 م