بوشعيب خلدون / فنان تشكيلي وناقد ـ رئيس تحرير مجلة آربريس : في أجواء فنية مشبعة بالإحساس والصدق، تحتضن قاعة محمد الفاسي بالرباط خلال الفترة من 9 إلى 23 ماي 2025 معرضاً تشكيلياً جديداً للفنانة حليمة الفراتي، يحمل عنوانًا لافتًا ودالًا: “مِـطَلَّاتٌ صَامِتة”، وكأنها تقول لنا إن في الصمت نوافذ، وإن في السكون حياة تنبض بلونٍ وشكلٍ وشعورٍ دفين.
المعرض الذي سيفتتح يوم الجمعة 9 ماي على الساعة السادسة مساءً، يعد محطة مفصلية في المسار الإبداعي للفنانة العصامية التي شقت طريقها بصدقٍ وإصرارٍ نادرين، متحديةً كافة العراقيل التي تعترض غالباً طريق المبدعين، لا سيما أولئك الذين لم تمرّ تجربتهم عبر القنوات الأكاديمية الرسمية، ولكنهم حملوا في قلوبهم شغفاً لا يخبو، وجعلوا من الفن تعبيراً حراً عن الذات والكون.
فن عصامي بنَفَس أكاديمي
رغم كونها عصامية، فإن أعمال حليمة الفراتي لا تنقصها الحِرَفية ولا العمق، بل توازي ما يُنتَج في مدارس الفن الكلاسيكي من حبكة تركيبية ومهارة تقنية، إذ تتميز لوحاتها بتوازن بصري رفيع، واشتغال ذكي على التكوين، خاصة في ما يتعلق بالتلوين الذي توظفه بأسلوب ناعم، فيه من الرهافة ما يُشبه نسج القصائد على القماش.
في معرض “مُطَلّات صامتة”، تبرع فراتي في تشكيل مشاهد من الطبيعة الساكنة، لكنها لا تسقط في التقريرية أو الزخرفة البصرية السطحية، بل تمنح تلك الكائنات الساكنة حياة داخلية، وصدى حسيّاً عميقاً، يلامس وجدان المتلقي. أطباق الفواكه، الأقمشة، المزهريات، كلها عناصر تتكرر، لكن بأسلوب فني يجعل من كل لوحة عالماً قائماً بذاته، يحمل بصمتها الخاصة ومزاجها الروحي.
رقة الفرشاة وبلاغة اللون.
إن أول ما يلفت في تجربة فراتي هو تلك العلاقة الشفافة بينها وبين اللون. فهو ليس مجرد أداة جمالية بل لغة تعبيرية، توصل من خلالها مشاعرها ومواقفها الجمالية. الألوان الدافئة، التكوينات الغنية بالتفاصيل، والاشتغال على الملمس البصري، كلها أدوات توظفها بأسلوب شاعري، يتجاوز حدود الشكل نحو المضمون.
فرشاتها، رغم ما تحمله من حزم ودقة، تنساب برقة تعكس روحاً حالمة، تنبع من داخل الفنانة، فتتحول اللوحة من مجرد مرآة لما هو خارجي إلى بوابة نحو داخلها، نحو العالم الذي تسكنه وتُعيد صياغته وفق رؤيتها الخاصة. في كل لوحة، ثمة حضور ناعم لأنوثة راقية، ولحسّ شاعري يجعل من الفن مسألة وجدانية لا تخلو من رومانسية وتفكير تأملي.
فن خارج الحدود المدرسية.
تجربة فراتي تؤكد ما بات اليوم مسلّمة: أن الفن ليس امتيازاً محصوراً في النخبة الأكاديمية، بل هو فعل حرّ، ينبع من الذات، ويتغذى من التجربة، ومن الصبر، ومن الحب الكبير للفن كرسالة وكموقف جمالي. أعمالها ترد ببلاغة بصرية على من يعتبرها “مبتدئة”، وتدحض، بموهبتها وأصالتها، تلك التصنيفات التي تجعل من الشهادة الفنية معياراً وحيداً للجدارة.
إنها تواصل السير على خطى كبار الفن الحديث، أولئك الذين شقوا دروبهم من دون دعم مؤسساتي، ولكن بجرأة الرؤية، وحرية الأسلوب، وأمانة الإحساس. معرض “مُطَلّات صامتة” هو إعلان بصري عن هذا المسار، وعن فنانة اختارت أن تكون لنفسها مرآة ومعياراً.
تحية للفن الصادق والمتواضع
في زمن تكثر فيه العروض وتقل فيه الأصوات الصادقة، تأتي تجربة حليمة الفراتي لتذكّرنا بأن الفن الجيد لا يُقاس بعدد المعارض، ولا بالألقاب، بل بمدى ما يتركه العمل من أثر في النفس، وبمدى حضور الروح في كل لون وخط وتكوين.
“مِـطَلَّاتٌ صَامِتة”، رغم عنوانه الصامت، هو معرض يصرخ بجماله، يهمس بحقيقته، ويشدو بصوت أنثى عصامية، حالمة، ومؤمنة أن الفن، كما الحياة، يحتاج فقط إلى صدق وإصرار.
#بوشعيب_خلدون #حليمة_فراتي #مطلات_صامتة #الفن_التشكيلي #فنانون_عصاميون #رواق_محمد_الفاسي #وزارة_الثقافة #الرباط #معرض_تشكيلي #الفن_المغربي #الطبيعة_الصامتة #اللوحة_التشكيلية #الفن_الحديث #الفنانة_العصامية #إبداع_نسائي #جماليات_اللون #الفن_ليس_حكرا #معرض_فني