.

الرمز والذاكرة في تجربة فهد خليف التشكيلية : «حين تسكننا الأماكن» معرضه العشرون في أتيليه جدة للفنون الجميلة

الرمز والذاكرة في تجربة فهد خليف التشكيلية : «حين تسكننا الأماكن» معرضه العشرون في أتيليه جدة للفنون الجميلة

بوشعيب خلدون ـ فنان تشكيلي ناقد واعلامي ـ رئيس تحرير مجلة آربريس / حين تسكننا الأماكن .. في أمسية فنية تحتفي بالذاكرة والمكان، يُقيم الفنان التشكيلي السعودي فهد خليف معرضه الشخصي العشرين، تحت عنوان “حين تسكننا الأماكن”، بمشاركة نخبة من المهتمين والنقاد، وبحضور الأستاذ أسعد طلال زاهد كضيف شرف، وذلك مساء الأحد 29 شوال 1446هـ الموافق 27 أبريل 2025 على الساعة الثامنة مساءً أتيليه جدة للفنون الجميلة.

مسار فنان استثنائي

فهد خليف، فنان تشكيلي سعودي من مواليد محافظة بلجرشي عام 1975، حاصل على ماجستير في الفنون من جامعة أم القرى، وقدّم عبر مشواره الفني أكثر من 18 معرضاً فردياً، إلى جانب مشاركاته في معارض جماعية وثنائية، محلياً ودولياً. حصل على العديد من الجوائز، من بينها جائزة أفضل عمل من المجلس الثقافي البريطاني عام 2012، وتُعرض بعض أعماله في متاحف مرموقة، منها ثلاث لوحات ضمن مقتنيات وزارة الثقافة الروسية. كما أنجز جداريات ضخمة في مطار الملك عبدالعزيز الدولي وفي مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة.

الرمز والذاكرة .. رحلة نحو الاماكن

لا يقترب فهد خليف من اللوحة كما يقترب منها الحرفيون؛ بل يُسائلها كأنها مرآة لذاكرة متشظية ما بين الطفولة والطين، والماء والظل، والبيوت القديمة التي ظلت عالقة في وجدانه. لا يتبع طقوساً تقليدية في مرسمه، بل ينسج فضاءه الحميم بألفة اللون، وجاذبية المفردة البصرية، محولاً ركنه الخاص إلى عالم يعج بالإيحاءات الرمزية والانفعالات.

من مرسمه الكائن في أحد طوابق جدة العالية، يباشر خليف يومه الفني بعد صلاة الفجر، حيث تتجلى العزلة بوصفها طقساً خلاقاً لا هروباً، فيمارس الرسم لما يزيد عن ست ساعات، محتضناً أفكاره وسط ترتيب دقيق وأثاث أنيق يشبه حسّه الجمالي.

لوحاته لا تُقرأ بسطحية، فهي سرد بصري تتقاطع فيه ذاكرة الباحة الطفولية مع روح جدة البحرية. يوظّف الحصان لا ككائن فحسب، بل كرمز للحرية والانكسار، كما تحضر الخيول برؤوس مطأطئة لتقول شيئاً عن الهزيمة، تماماً كما تُجسَّد الطيور البيضاء كشهادات حنين وسلام معلّق.

في معرضه “نقش ورقش” عام 2015، كرّس جزءاً من أعماله لفن “القط العسيري”، مُعيداً الاعتبار لهذا الإرث الشعبي بجماليات معاصرة، ومؤكداً على قدرة الفن في الربط بين الحداثة والجذور. لم يكن القط مجرد زخرفة، بل وسيلة تعبير عن هوية بصرية فطرية تتقاطع مع اهتماماته المعمارية والتراثية.

يتعامل خليف مع اللوحة ككائن حيّ، متعدد الطبقات. فهو لا يركن إلى منظور واحد، بل يُطوّع الفضاء الفني بمستويات عميقة، ويمنح الرمز بعداً وظيفياً داخل العمل. من الكراسي إلى الوجوه المجرّدة، ومن سلال الفاكهة إلى الحروف العربية، تتدفق عناصره في انسجام لوني تتكامل فيه البرتقالية بالترابية، والزرقاء بالحروف الذهبية.

أما تطعيم اللوحة بالحرف العربي فهو موقف جمالي وهووي، إذ يُعيد توظيف الخط دون أن يقع في فخ الكلاسيك، بل يجعل منه صوتاً بصرياً يتناغم مع الإيقاع العام للعمل، في انسجام بين الشكل والمعنى.

هكذا، لا يقدّم فهد خليف فناً زخرفياً، بل سردية بصرية عميقة، تستنطق الأمكنة والرموز، وتُخاطب في المتلقي الذاكرة، كما تخاطب الحواس.

khaldouneart@gmail.com

#بوشعيب_خلدون #فهد_خليف #حين_تسكننا_الأماكن #الفن_السعودي #المعارض_التشكيلية #الفن_الرمزي #أتيليه_جدة #الخيل_في_الفن #القط_العسيري #الهوية_البصرية #فن_معاصر

مستجدات
error: جريدة أرت بريس