حسن بيريش
(1)
“أنا رابضة هناك،
وأنت تبحث عن بقاياي؛
هنالك في شطح مسافة رؤاك !!”.
أنا من تبحث عنه بقاياها، وهي من تفتش في سرائر قراءتي، كي تدرك فداحة العثور على نص مشتعل، هنا بين كومة من عصيان الكلم، ولكي أدرك الفرق بين شكل المسافة وبين محتوى الرؤية، دون أن أفقد اختلالي في مهب توازنها !
“في الوهم آمان
لكنه زائل
وفي الحقيقة وجع
لكنه مخاتل”.
هكذا تأتي نصوص إلهام، تباعا، حاملة فصوص الدهشة، محمولة على أكتاف بياض ناصع الهذيان، وسائرة نحو بداية الإرسال، بلا إعلان مسبق عن موعد البث !
“في يدي برق ورعد؛
وسمائي مظلة من جفاف !!”.
(2)
“الحياة ضوء ألاحقه،
والضوء حياة تقتفي أثري !!”.
إني لا أملك من أمر يدي، وانا في معيتها، سوى ما فاض من أمور قلبها. عبر خفاء، أنا أقترف تجسسي على معين خيالها، وعبر تجل ساطع، هي تفضح سورة لغتي.
بفراسة بدوي تائه في صحراء ضوئها، ألاحق أثر وثبها، عساني لا أضيع في أرخبيل لغتها، بيد أنها تطوح بي صوب ظلال بلا تخوم، ونحو ضلال لا زمام له، فأبقى قيد رهافة امتلائها، عبرها أكتب ما قرأته في هنيهتي أنا، وأقرأ ما فكرت في نوازله هي.
“بين خطوة وقفزة
لا أعانق سوى طموح قلبي !”.
(3)
“في مداي النائي عنك؛
وجدتك مرتديا كل ما فيك من تدان !!”.
إلهام إحوضيكن ولجت أفق الكتابة من عتبة مدار التنمية، مما ٱل بها، وهي تنسج وشاح الكلم في صقيع الخطو، نحو إيلاء الأهمية الوافرة لما أسميه لغة الانخطاف، حيث يتبدى الرسم بالكلام وهو رابض في مسافة لا هوادة في تشكلاتها الضوئية.
“أحضن الغياب
كأنه حرارة اللقاء
وأبكي اللقاء
كأنه جليد الغياب”.
لا تدعي ومضا، لكنها تومض، ولا تقترف جريرة العطش، بيد أنها على ظمإ لا يرتوي، ولا تؤول إلى رباط، هي فقط تمكث هناك في صخور لا تكف سماء الولع فيها عن انهطال !
“سرت تائهة بجانب غيابك؛
ولم تكن قيد حضوري !”.
(4)
“بلحاف الٱتي
تدثر عراء قلبي !!”.
قلبها يكتب، ويدها تتخيل، وجسدها يلهم، وعمر يفاعتها وحده من يواجه بياض الورقة، لكي يحيلها إلى “إلهاميات”. لذلك، يلزم قراءة متون ومضها عبر تفحص ما في قلبها من خيال، رصد ما في يدها من تيهان، وملاحقة ما في جسدها من جنون !
“في لحد الأيام
تجلى طيفك مهدا !!”.
(5)
“وحده قلبي
ينحني أمام علو نبضك !”.
بخيلة الحرف، سخية الدوال، وتعرف كيف تمتح من المقيم، الذي يتمظهر بوصفه عابرا، وكيف تسير في تيه اللغة، ووجه كنايتها لا يشرئب، متنا وهامشا، إلا صوب بكارة النص.
ربما لأن ترى شعاع المعنى يتسكع في منتصف عتمات انهطالها، لا يزمه سوى زمام انسكاب بداية الإلهام. وربما لكون بلاغتها تتشكل بمنأى عن حدسها المتواري خلف الهطول.
“أنا امرأة غريبة المجرى؛
منشغلة حد الحياة بأحلام كبيرة”.
(6)
“لك كثافة الضوء..
وما من عتمة في دهاليزي”.
بغير غزارة تكتب إلهام إحوضيكن. ليس لأن يدها نحيفة المعنى، وإنما لأن فؤادها بدين المخيال. لذا، أنا لا أقتفي أثرها في المكتوب، بل في المحلوم، لأنها تتبدى جلية في الخط الفاصل بينهما.
“سر يانعا..
سر واسترشد بشعاعي
فلا تيه لك..”.
وهي ذي النحافة، التي لا تترك، بين غواية السطور، ما يشي بقوام اللغة، وبخصر البلاغة، وبأرداف المخيال !!
(7)
“قف حيث أهواء قلبي؛
أنت ممنوع من المس بمسافتي !!”.
لست شحيحا في البورتري، لأنها ليست بخيلة في النص. أنا فقط أمارس اللجوء النصي إلى إلهام كي تتبناني، ونصبح، معا، نصوصا قيد تشكلات إغوائية !
أوليس هذا ما يفعله حبرها، لما يخاطبنا من مدار غسق بلا شفق، ومن رشاد مأهول بالتيهان، ومن ظل ضاج بالضلال ؟!
“لي أنا دوران فجرك؛
ولا محيد لك أنت عن ليلي !!”.
(8)
“لا سريرة هناك في أطرافي؛
بح بالذي فيك قبل أن أتأهب الخفاء !!”.
أنا كثيرا ما صحت بلا وعي منها:
ما هذا يا هذه ؟!
هي كثيرا ما صرخت، بيقين وعيها مني:
هو ذا صوتك يا هذا !!
في المحصلة، ارتدت صرختها شكل نص يرتدي غنج الأحمر، بينما تعرى صراخي من ستره، كي يتدثر بنص منذور لما لا يقال إلا عبر التحام ٱهات الكلام بذهول التقصي !!
“من جبلة الجسد جئت؛
لكنك تواريت خلف انهطالي !!”.
(9)
“يغلي قدر قاموسي؛
حين أبتغي الاحتراق ببوحي !!”.
لا تبتغي إلهام إحوضيكن إشهار شارة الشاعرة، بل تتغيا إبراز شيم العاشقة المتيمة بأرخبيلات الحرف. ومن هنا، هي تبدع وفي ذهنها تشتعل ولاعة الذات، تلك التي تعثر في الكتابة عن أرومتها، بجميع ما في ذلك من شبوب، رهافة، سلاسة، وأنفاس.
“لي كل ما في الفراغ من امتلاء؛
ولك أنت كل ما في يم مداي من غرق !!”.
(10)
“ليس لدي ما أخفيه،
كل خفاياي أشهرتها في مسافة صمتي !”.
لا تكذبي يا إلهام، “إني رأيتكما معا”، وأنت في أتم أناقة بوحك، لا يسترك سوى ما فاض منه هو. لذا، كل صمت عندك، هو جهر عنده، ولا محيد لكما، معا، إلا الإقامة العابرة في هدير الصمت، في صمت الجلبة، حيث تلتقيان، وجها لمعنى، في مفترق الاستعارة.
“مسافرة وأنا مقيمة:
إنه إغواء الرحيل في الٱهات !”.
(11)
“أسأل قلبي:
أتحبه ؟؟
يجيب نبضي:
صرت أبحث عن قلبي في حبه !”.
إنها تلون الكلمات كما يحلو للغتها الأمارة بالماء، ولا تكتفي بذلك، بل تخيط جراح المعنى بإبر مخيالها، ذاك الذي يرن بها، يرن فيها، مثل خلخال جعل قدم المجاز يسبي أعين الرؤى !
“هواء الحب شغفه
وأنفاس اللقاء توقه”.
(12)
“أغوص في رحاب دهاليز فؤادك،
فاهبط من أعاليك.. اشتهيت ثمارك !”.
هي ذي إلهام، تتزيا بشتى ألوان الإثارة اللونية، فتصبح أزياء تعبيرها على مقاس غنج لغتها، مما يجعل الجسد، هنا، في النص، ينطلق حرا إلا من بياضه المشع في كل ألوان ليل الصور !
“تزرعني حيث أثمر،
وتسقيني حين أجف…”.
(13)
“كلهُم عابِرون،
أَنَت وحدك البصمة”.
هنا (قد) ينتهي بث البورتري، بيد أن الإعجاب (يقينا) لا ينتهي، إنه يداوم البث !
أليست هي
إلهام الحبر ؟!




















































