القاهرة ـ كتب عبدالرزاق عكاشة : لا يمكن الحديث عن الحركة التشكيلية المصرية في سنوات ما بعد الحداثة التي أعقبت تأسيس صالون الشباب في بداية التسعينات دون ذكر الفنان د. محمد أبو النجا.
هذا التأسيس الذي بُنيت أركانه ونقاط ارتكازه من قِبَل مجموعة مطوري الفنون البصرية.
في تلك المرحلة الفاصلة بين الموافقين والمعارضين: السيد الوزير فاروق حسني، والدكتور نوار، وفيلسوف التشكيل أحمد فؤاد سليم، وضدهم كثيرون.
كان هذا التأسيس والتسييس بهدف ضخ دماء جديدة في تطوير حركة الإبصار المصرية ، وهذا ما أثبته التاريخ بعد فترات طويلة من جني الثمار.
- في سنوات الصالون الأولى، بدأت تظهر بعض الأسماء الجادة وكذلك الأسماء المهرجة الفارغة، الأسماء الباحثة والأسماء الناقلة… وهذه هي سمات أي حراك فعلي جاد في البدايات.
أتذكر أني كنت مشاركًا في الصالون الثاني أو الثالث، وكنا نلهث وراء خبر في جريدة أو مجلة…
فإذ بمقال للسيد الناقد الراحل الفنان عز الدين نجيب يشيد بعمل الفنان السكندري أو خريج فنون الإسكندرية محمد أبو النجا!
من الواضح منذ البداية أنه فنان جاد، وأنه ضمن مجموعة الباحثين الجادين. فما زال العمل يسكن ذاكرتي البصرية: عمل تجريدي ناعم ممتلئ بالدراما من الأحجام الكبيرة.
وكانت أعمال الفنان جمال مرسي والفنان أبو النجا من أكثر الأعمال تميزًا في هذه الدورات. لكني سافرت عام 1992م، وما زلت أتابعهم بقوة الصادقين… جمال مرسي رحل في صمت، وأبو النجا أكمل في عدة طرق موزعًا مجهوده وإصراره على التواجد بقوة الحالمين.
أحيانًا يحارب على مساحة بشراسة ويحارب في مكانة من الآخرين حتى حصل على دكتوراه في الفنون.
ولكن على ما يبدو هناك شيء يقلقه.
ليس لشخصه، لكنها محاولات لفك عزلة فنان قادم من الإسكندرية شابًا إلى القاهرة الصعبة.
هنا أصبح مجهوده إبداعيًا وبحثيًا واجتماعيًا، كلف نفسه به واستحق التقدير عليه.
أما في المجال البحثي، بدأت ثقافة أبو النجا تتجه نحو المعارف الأوروبية لمدارس ما بعد الحداثة.
فمرات تمتلئ أعماله بالبحث والثقافة. يحاول نحت طريق خارج المألوف والمتعارف عليه.
مرات يقترب من الفنان الإسباني تابيس، ومرات يقترب من التجريديين الإيطاليين.
المهم أنه رسم طريق الباحث الذي لا تتوقف بوصلة إبداعه الدؤوبة عن البحث والتفكير…
والحروب في إيجاد أرضية ومساحة يبني عليها ويؤسس أعماله بين الصريحة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
في كل مرة تجد الفنان أبو النجا يؤسس ثم يهدم ثم يعود ويؤسس.
حالة قلق طبيعية لم يرد أن يسكن حيز الجودة ويحتل مكانة إبداعية فاخرة.
خاصة أمام هذا الجيل السابق المسيطر على كل نواحي التشكيل بقيادة فاطمة إسماعيل – رحمها الله – وعبلة والسيري وشلل السابقين.
كان هناك جيل عنيف في التعامل مع القادمين من المواهب الجديدة… جيل يظهر الابتسامات لكنه يخفي الطعنات!
وسط أجواء صعبة، يصر أبو النجا على مواصلة البحث وتقديم معارض جادة وجديدة.
البحث والتفكير فيها أهم وأعلى من فكرة التصوير لمجرد صناعة صورة لأنه وثق وترسخت لديه فكرة الحوكمة والسيطرة على مفرداته التصويرية.
ولأنه يشعر في داخله أنه يصنع حالة كاملة من الإبداع…
هنا بدأ تجارب أخرى في صناعة الأوراق بطريقة مصرية يابانية بعد رحلة إلى اليابان، وبدأ يهدي أصدقاءه منها.
بدأ يشكل حالة كاملة… بدأ من صناعة الأدوات إلى إبداعية التشكيل، من الخامة إلى الحلم داخل المساحة الملونة.
وبدأ مسارًا اجتماعيًا آخر كمتمرد.
فبدأ يقدم معارض جماعية بأفكار إنسانية مختلفة حتى تتسع دائرة الطموح… معرض نور الشكل نموذجًا.
ومعارض في مكتبة الإسكندرية حول فن صناعة الورق وورش عمل مختلفة.
وهكذا. لكن في نور الشكل تحديدًا، هو الذي عرّف مصر على العديد من الفنانات العربيات والفنانين الأجانب والعرب.
في تلك الفترة، بدأ نور الشكل معرضًا سنويًا مهمًا، يهاجمه الجيل أو الأجيال السابقة ويؤمن به أبناء جيله والقادمون.
لكنه بدأ مميزًا مختلفًا فكريًا؛ مساحة التفكير أهم من مساحة التشكيل، أو هما في خط متوازٍ.


























































