.

الدورة الثالثة لتظاهرة “ربيع المسرح بتارودانت”: تلاقح الأجيال وحوار التجارب وفسيفساء الإبداع المغربي

الدورة الثالثة لتظاهرة “ربيع المسرح بتارودانت”: تلاقح الأجيال وحوار التجارب وفسيفساء الإبداع المغربي

آربريس / شهدت مدينة تارودانت تنظيم الدورة الثالثة من تظاهرة “ربيع المسرح”، خلال الفترة الممتدة من 26 إلى 31 ماي 2025، من طرف مؤسسة “مسرح الأفق”، وبدعم من شركاء مؤسساتيين وثقافيين، حيث تضمن برنامجها مجموعة من العروض المسرحية والورشات التكوينية والتكريمات والندوات الفكرية.
وحملت هذه الدورة شعارًا دالًا: “تارودانت… بوابة للإبداع ومنارة للثقافات”، في تأكيد رمزي على دور المدينة في احتضان الطاقات الإبداعية والانفتاح الثقافي، إذ لوحظ وجود تلاقح ما بين مختلف الأجيال المسرحية من رواد ومخضرمين وشباب. كما جسّد المهرجان الطابع الفسيفسائي الذي يميّز الحضارة والإنسية المغربية، من حيث تعدد مكوناتها وانصهارها في هوية واحدة، وهو ما ترك أصداء طبية لدى الجماهير الغفيرة التي حجّت إلى المركب الثقافي لمدينة تارودانت.
وهكذا، تضمن البرنامج عرضين مسرحيين أمازيغيين هما: مسرحية “فرجة إصوابن” لفرقة “أركانة” من تزنيت إخراج الحبيب نونو، ومسرحية “أنشاد” إخراج بوبكر أوملي وتقديم فرقة دراميديا من مدينة أكادير، علاوة على عرض مسرحي بالحسانية حمل عنوان “جدران الرمل”، من إخراج هشام إبراهيمي وتقديم فرقة “إسباس” من مدينة السمارة.
وحرصًا على تنويع التجارب والأساليب، تضمّن برنامج العروض كذلك تقديم مسرحية “فوضى”، من توقيع المخرجة مريم الزعيمي وإنجاز فرقة “الفكاهيين المتحدين” من فاس، بالإضافة إلى عرض مسرحي للأطفال بعنوان “كوكب الضباب”، لفرقة “ستيلكوم” من الرباط.
كما تميزت هذه الدورة بعرض مسرحية “الحراز” التي أخرجها الفنان أمين ناسور وقدمتها مجموعة من طلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، الذين أعادوا إحياء واحدة من كلاسيكيات المسرح المغربي بروح شبابية وتشكيل بصري مميز.
إلى جانب هذه العروض، ومساهمة في دعم المواهب الصاعدة وتشجيع الممارسة المسرحية في الوسط التربوي، احتضنت الدورة الثالثة من “ربيع المسرح بتارودانت” مسابقة في المسرح المدرسي، تواصلت على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة عدد من المؤسسات التعليمية، وتحت إشراف لجنة تحكيم ضمّت نخبة من الأسماء المتخصصة، وهم الأساتذة: علي الداه، نور الدين التوامي، بشير إركي. وقد لاقت العروض المشاركة تفاعلاً لافتًا، خاصةً في صفوف الأطفال واليافعين وأوليائهم والطواقم الإدارية والتربوية للمؤسسات التعليمية، بفضل عمق المواضيع وقوة الأداء، وتوجت المسابقة بالإعلان عن النتائج التالية:
ـ جائزة الأمل: مجموعة مدارس أوميغا.
ـ التشخيص اناث: آمال شعبان مدرسة البساتين.
ـ جائزة التشخيص ذكور: رضى واعلي مدرسة المعديات.
ـ جائزة النص المسرحي: مجموعة مدارس بونوني.
ـ جائزة الاخراج المسرحي أو أفضل مؤطر لمدرسة المعديات.
ـ الجائزة الكبرى للمهرجان: مجموعة مدارس الحريشة من أولاد تايمة.
وأعلن كذلك عن نتائج مسابقة النصوص المسرحية الموجهة للأطفال، إذ فاز بها حسب الترتيب كل من:
1 ـ مصطفى سعيدي عن نصه “محاكمة افتراضية”.
2 ـ إدريس الطيبي عن نص “كما لو كانت”.
3 ـ توفيق المداري عن “حاكم الجزيرة”.
4 ـ عبد الرحمن الوادي عن “صديقي الهزار”.
5 ـ هشام أجران عن “بطل جواهر الجديد”.
وقد تشكلت لجنة تحكيم هذه المسابقة من الفنانين المسرحيين: المسكيني الصغير وعبد المجيد فنيش وبوسرحان الزيتوني. وصدرت النصوص المسرحية الفائزة مجتمعة بين دفتي كتاب جماعي، بمبادرة من “مسرح الأفق”.
من جهة أخرى، واصل المهرجان اهتمامه بالتكوين الفني والتقني، من خلال تنظيم ورشات متخصصة في مجالات دقيقة مثل تقنيات الماكياج المسرحي والتشخيص والفكاهة والارتجال وصناعة الدمى، أطرها فنانون ذوو تجربة مهنية معتبرة، هم على التوالي: أسامة المهنديز، عبد الحق بلمجاهد، زكرياء تملدو، سعيد عامل، أحمد الحبابي. وقد وفرت هذه الورشات فضاءً عملياً للتأطير ونقل المهارات للشباب والمهتمين.
على المستوى الفكري، احتضنت الكلية متعددة التخصصات بتارودانت “ماستر كلاس” مع الفنانة لطيفة أحرار، مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وتمحور حول “التكوين المسرحي بالمغرب: أسئلة الواقع وآفاق التطوير”. كما احتضن الفضاء نفسه في يوم موال ندوة بعنوان “المسرح أداة للتغيير الاجتماعي في الوطن العربي”، شارك فيها أكاديميان من سلطنة عمان هما د. سعيد السيابي ود. عماد الشنفري، وقام بتسييرها الأكاديمي المغربي د. محمد جلال أعراب. وأقيمت كذلك ندوة وطنية حول “المسرح والمؤسسة التعليمية بالمغرب”، بمشاركة الباحثين: د. عز الدين بونيت ود. عبد المجيد شكير والأستاذ عبد المجيد فنيش.
ونُظّم أيضا لقاء خاص عن فرقة “مسرح الناس” في استحضار لمسار الفنان الراحل الطيب الصديقي، بمشاركة نجله الفنان بكر الصديقي واثنين ممن اشتغلوا معه أو تتلمذوا على يديه: الفنان مصطفى خليلي والفنان مالك أخميس، وأدار اللقاء الكاتب حسن نرايس. وبالموازاة، نظم معرض لصور وملصقات يوثق جوانب مضيئة من مسار الفرقة المحتفى بها.
وتكريسًا لثقافة الاعتراف، شهد “ربيع المسرح” بتارودانت خلال حفلي الافتتاح والاختتام تكريم اسمين بارزين في الفن المغربي: الكوميدي النجم الحسين بنياز والممثلة الرائدة الفنانة سعاد صابر، تقديرا لعطاءاتها البارزة في المشهد الفني المغربي على امتداد عقود.
وتضمن برنامج المهرجان أنشطة موازية، من بينها معرض للكتب المسرحية وتوقيع لأهم إصدارات الكاتب المسرحي المسكيني الصغير، بالإضافة إلى جولة سياحية لبعض معالم مدينة تارودانت ومنشآتها المميزة.
وصرّح الفنان محمد حمزة، مدير تظاهرة “ربيع المسرح بتارودانت”، بمناسبة اختتام فعاليات دورتها الثالثة، أن هذه النسخة عرفت نجاحًا متميزًا يبعث على الفخر والاعتزاز، مؤكداً أن ما تحقق لم يكن ليتم لولا تضافر الجهود وتلاقي الإرادات الصادقة، من مختلف الفاعلين والشركاء والداعمين.
وقال إن “نجاح ربيع المسرح هو في العمق نجاح لمدينة تارودانت بكل مكوناتها، ولجميع المؤمنين برسالة الثقافة ودورها المحوري في التنمية. لقد انطلقت هذه التظاهرة برؤية واضحة منذ دورتها الأولى، وكان هدفها الأسمى ترسيخ موقع المدينة ثقافياً وفنياً، وتعزيز حضورها في المشهد المسرحي الوطني.”
وأضاف أن التظاهرة باتت تشكل، مع توالي الدورات، فضاءً حيويًا للإبداع والتعبير الفني، يعكس روح تارودانت وعمقها الحضاري، ويسهم في إعادة تشكيل صورتها الثقافية وإبراز غناها التراثي. كما أكد مدير التظاهرة أن هذا النجاح لم يكن مجهودًا فرديًا، بل هو نتاج عمل جماعي وتنسيق مشترك بين أطقم تشتغل في صمت، وشركاء آمنوا بالفكرة وساهموا في إنجاحها بكل تفانٍ ودعم.
وأوضح الفنان محمد حمزة أن الثقافة لا تُبنى بالمبادرات الفردية فقط، بل تتقوّى بالتعاون والانفتاح والتخطيط المشترك الذي يضع مصلحة المدينة في صدارة الاهتمامات، وهو ما حرص عليه فريق العمل في مختلف مراحل الإعداد والتنظيم.
وختم تصريحه قائلاً: “اليوم، ونحن نسمع صدى ربيع المسرح يتردد بقوة في الأوساط الفنية والإعلامية، نشعر بأن تارودانت استعادت بعضًا من ألقها الثقافي، وأثبتت أن الثقافة لا تزال جسرًا حيًا بين الماضي والمستقبل، وبين الأصالة والتجديد. وبهذه المناسبة، أوجه شكري وامتناني الخالص لكل من دعم وساهم وواكب هذه التظاهرة، مجددًا العهد على مواصلة العمل بعزيمة أقوى، عبر برامج مستقبلية ومبادرات مستدامة تُعلي من شأن الثقافة والفن، وتُبرز المؤهلات المتعددة التي تزخر بها مدينتنا العزيزة.”
والجدير بالذكر أن هذه الدورة نظمت من طرف مسرح الأفق بتارودانت، بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل والمجلس الجماعي لتارودانت ومجلس جهة سوس ماسة وتعاونية كوباك، وبتعاون مع عمالة إقليم تارودانت والمجلس الإقليمي لتارودانت والكلية متعددة التخصصات بتارودانت والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ومسرح محمد الخامس والمديرية الإقليمية للتربية الوطنية بتارودانت.

مستجدات
error: جريدة أرت بريس