آربريس / بوشعيب حلدون : في أمسية روحانية بمدينة العيون، تجسّدت مرة أخرى العلاقة الحميمية بين المؤسسة الدينية والتراث التاريخي المغربي، من خلال تسليم هبة ملكية لشرفاء زاوية الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين. هذا التكريم يأتي في الذكرى السنوية لوفاة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ليُذكّر بأدوار الزاوية في حفظ الهوية الدينية والثقافية، وتأكيد مكانتها التاريخية في خدمة المجتمع وتعزيز الانتماء الوطني في الأقاليم الجنوبية، خاصة وسط حضور العلماء، الشرفاء، والمريدين.
شهدت مدينة العيون مساء الجمعة الماضية مراسم دينية مهيبة شهدت تسليم هبة ملكية لشرفاء زاوية الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين، وذلك بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لوفاة الملك الحسن الثاني. الحفل الذي أقيم بمقر الزاوية جذب حضوراً مميزاً من فعاليات دينية، حكومية وشعبية، من علماء ومريدي الزاوية وشيوخ القبائل الصحراوية. (Africa4Press)
تميز الحفل بتلاوة القرآن الكريم، والأمداح النبوية، إضافة إلى قصائد صوفية في مدح النبي محمد ﷺ، وتحري الأجواء الروحانية التي تشكّل جزءاً من التقاليد المتوارثة لدى الزاوية. كما رفعت الأدعية بأن يحفظ الله الملك محمد السادس، وأن يمطر الرحمة على تراث العرش الشريف. (Africa4Press)
- زاوية الشيخ محمد الأغظف: منبر علمي وتاريخي
لزاوية الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين مكانة بارزة في المشهد الديني والثقافي للمغرب الصحراوي. الشيخ محمد الأغظف وُلد في 13 من ربيع النبوي 1292هـ الموافق 20 أبريل 1875م، وهو الابن العاشر للشيخ ماء العينين، العالم المجاهد والزاهد الفاضل. (cheikh-maelainin.com)
نشأ الشيخ محمد الأغظف في بيئة زهد وورع، تلقى تعليمه على يد والده في القرآن، والحديث، والفقه، والعلوم البلاغية، وكان يُعرف بالتزامه التقوى والعمل في العبادة، والصدق، والنفقة على المريدين، والتواضع الشديد، حتى أصبح من العلماء الفطاحل. (cheikh-maelainin.com)
زاويته في طانطان تُعد معلمة دينية وتربوية، حيث كانت مدرسة للصوفية والعلم، ومركز تربية مريدين، وملاذا في فترات الضغط الاستعماري لأهل المقاومة، كما لعبت دوراً ثقافياً في حفظ اللغة العربية والإسلام المعتدل في المناطق الصحراوية. (laayoune online)
- دلالات التكريم الملكي
هذا التكريم الملكي يحمل عدة دلالات مهمة:
- إحياء الذاكرة والتاريخ: عبر تقديم الهبة الملكية في الذكرى السنوية لوفاة الحسن الثاني، يعبر عن استمرار تقدير الدولة لمساهمات العلماء والزوايا في بناء الهوية الوطنية.
- تعزيز الروابط الدينية والثقافية: الزوايا مثل زاوية الشيخ محمد الأغظف تؤمن صلة بين الأجيال، وتكون مركز إشعاع ديني وثقافي في الأقاليم الصحراوية.
- مشاركة الدولة والمجتمع المدني: حضور السلطة المحلية، ممثلي وزارة الأوقاف، العلماء، والشرفاء، يدل على تكامل بين مؤسسات القيادة الدينية والمجتمع المدني في الاعتراف بالتراث المُشترك.
- دعم الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي: مثل هذه المناسبات تساعد على توجيه رسالة مفادها أن التنوع في المظاهر الدينية والثقافية ليس تشرذماً، بل قوة إضافية لوحدة المغرب وأصالته.
تكريماً مثل هذا ليس مجرد احتفال ديني، بل تأكيدٌ أن الزاوية، وتاريخها، ودورها في الماضي والحاضر، لا يُمحى. زاوية الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين تظل منارات تضئ دروب الهوية، الذكر، والتعليم، وتقوية الانتماء الوطني. ومع الهبة الملكية والتقدير الرسمي، تُترجَم رسالة مفادها: أن التراث الديني لا يُنسى، بل يحتفى به، وأنه جزءٌ لا يتجزأ من النسيج الوطني المغربي، لاسيما في الأقاليم الجنوبية.