من قلب مطابخ الرياض، يسطع اسم الشيف المغربي محمد الشريف القدميري، الذي شق طريقه من درب السلطان بالدار البيضاء إلى القصر الملكي السعودي، حيث عمل مع الملك عبد الله رحمه الله، قبل أن ينضم إلى واحد من أكبر الأندية العربية: نادي النصر. هناك عاش ستة مواسم مليئة بالتحديات والنجاحات، وصنع لحظات استثنائية مع كبار النجوم، وعلى رأسهم كريستيانو رونالدو الذي فاجأه بكعكة عيد ميلاد أمام الجميع. في هذا الحوار، يكشف الشيف القدميري أسرار رحلته، ذكرياته مع الملك فهد والعائلة المالكة، وعلاقته المميزة بلاعبي النصر، من أمرابط وحمد الله وصولاً إلى “الدون” رونالدو.
آربريس / حوار بوشعيب خلدون
سؤال 1: بداية، نود أن تحدثنا عن قصتك مع عالم الطبخ، وكيف بدأت مسارك حتى أصبحت طباخاً محترفاً في واحد من أكبر الأندية العربية؟
الجواب: بدايتي مع الطبخ كانت بسيطة، مثل أي شخص عادي. بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة درست سنة واحدة في المدرسة الفندقية بمراكش، لكن شغفي بالطبخ بدأ منذ الطفولة، متأثراً بوالدتي التي كانت تؤمن بي وبقدراتي، وكنت أنا أيضاً أؤمن بنفسي.
انطلقت من مجال الحلويات في درب السلطان بمدينة الدار البيضاء، ثم جاءت محطة مهمة سنة 1998 حين اشتريت تأشيرة سفر إلى السعودية، رغم أن ذلك كلفني مبلغاً كبيراً بلغ 3.5 ملايين سنتيم. لكن والدتي كانت الدافع الأساسي وراء هذه الخطوة.
منذ وصولي إلى السعودية بدأت مغامرة جديدة، مؤمناً بالله وبالتجديد والتحديات. كنت من أوائل المغاربة الذين دخلوا هذا البلد في مجال المطبخ المغربي، الذي لم يكن معروفاً آنذاك إلا بشكل محدود جداً. وفي الوقت نفسه، انفتحت على مطابخ غنية مثل السعودي والشامي والمصري واللبناني والآسيوي والهندي.
في البداية لم أكن متمكناً تماماً من المطبخ المغربي ولا أعرف كثيراً عن المطبخ اللبناني مثلاً أو أطباق مثل الحمص والتبولة، فكان علي أن أتعلم من جديد. وهنا انطلقت رحلتي مع طهاة من لبنان وسوريا ومصر والأردن، وأثرت هذه التجارب رصيدي المهني بشكل كبير.
سؤال 2: كيف كانت تجربتك بعد وصولك إلى السعودية، وما الذي شكّل مسارك هناك؟
الجواب: حين دخلت السعودية حملت معي حب العمل والعطاء، رغم أن الغربة لم تكن سهلة في تلك الفترة. بدأت أبني علاقات مهنية وإنسانية، وانتقلت من مطعم إلى آخر حتى فتحت لنفسي أبواباً جديدة. عملت في مطاعم عالمية كبرى، كما شاركت في افتتاح فنادق ومطاعم مرموقة بالرياض وجدة ومكة المكرمة ومدن أخرى.
تجربتي لم تقتصر على العمل فقط، بل كانت رحلة حياة متكاملة: زواج، أولاد، صداقات، تنظيم فعاليات، نجاحات وإخفاقات. كل هذه المراحل صقلت شخصيتي ودفعتني إلى تطوير نفسي باستمرار.
وأنا مؤمن أن الفضل في كل ما وصلت إليه يعود أولاً لله تعالى، ثم لدعاء والدتي ودعمها. فبرضاها تحقق النجاح الحقيقي، ومن دونه تبقى الإنجازات ناقصة مهما كانت كبيرة.
سؤال 3: كيف جاءتك فرصة الالتحاق بنادي النصر السعودي، وما كانت أول تجربة لك مع الفريق واللاعبين؟
الجواب: مساري المهني كان خطوة بخطوة: بدأت كشيف عادي، ثم سو شيف، وبعدها سو إكزكيوتيف شيف، وصولاً إلى منصب إكزكيوتيف شيف. وخلال هذه الرحلة عملت في أماكن مرموقة جداً، من بينها القصر الملكي مع الملك عبد الله رحمه الله ومع العائلة المالكة.
أما بدايتي مع نادي النصر فجاءت عندما كنت أشارك في فعاليات تنظمها وزارة الشباب والرياضة، حيث التقيت برئيس النادي آنذاك، ووقع عليّ الاختيار للانضمام للفريق.
كانت البداية تدريجية من مهام صغيرة، ثم العمل المباشر مع اللاعبين. وأتذكر أن أول لاعبين تعاملت معهم كانا النجم المغربي نور الدين أمرابط وعبد الرزاق حمد الله. صحيح أن التجربة لم تكن سهلة لأن النصر نادٍ عالمي كبير بجماهيره وأمرائه وداعميه، لكن بالصبر والإيمان وحب العمل تمكنت من إثبات نفسي. والحمد لله، أتممت ستة مواسم كاملة مع هذا النادي العريق.
سؤال 4: علاقتك بالنجوم دائماً ما تثير الفضول.. كيف هي الأجواء مع لاعبي النصر، وهل يختلف تعاملهم داخل الملعب عنه خارجه؟
الجواب: العلاقة مع اللاعبين مبنية على الاحترام المتبادل والثقة. أتعامل معهم عن قرب سواء داخل النادي أو في الرحلات والمعسكرات، وأتعرف على أذواقهم في الأكل والشراب وحتى في تفاصيل صغيرة تخص حياتهم اليومية.
هم شباب في النهاية، لديهم روح الدعابة والمرح، لكن أيضاً الانضباط والجدية عندما يتعلق الأمر بالتدريب أو المباريات. دوري كشيف لا يقتصر على إعداد الطعام فقط، بل أساهم في خلق أجواء مريحة من خلال أطباق متنوعة تمزج بين مطابخ مختلفة، وهو ما يجعلني قريباً منهم ويكسبني احترامهم.
سؤال 5: نصل إلى النجم العالمي كريستيانو رونالدو.. كيف كانت أول لقاءاتك به؟ وما هي ردة فعلك عندما احتفل بعيد ميلادك وفاجأك أمام الجميع؟
الجواب: أول لقاء مع كريستيانو رونالدو كان مؤثراً جداً بالنسبة لي، شعرت وقتها أنني أعيش حلماً. وجدته إنساناً متواضعاً، مؤدباً ومحترماً، رغم أنه أعظم وأغنى لاعب في العالم.
أما الاحتفال بعيد ميلادي فكان بمثابة وسام شرف بالنسبة لي. أن يحتفل نجم عالمي من هذا الحجم بي أمام الجميع ويجلب كعكة خصيصاً لهذه المناسبة، فهذا أكبر تقدير لمجهودي وتفانيي في عملي. اعتبرت تلك اللحظة مكافأة إلهية وهدية من الله ورضا والدتي، فهي محطة لا تُنسى في مسيرتي.
سؤال 6: هل يمكنك أن تشاركنا بعض الطرائف أو المواقف المضحكة التي عشتها مع رونالدو أو بقية نجوم النصر خلال عملك معهم؟
الجواب: من بين الطرائف أن رونالدو طلب مني مرة تحضير آيسكريم بنكهة خاصة، لكن بسبب ضيق الوقت أثناء البطولة العربية لم أتمكن من صنعه بنفسي، فاضطررت لشرائه من شركة متخصصة. وعندما قدمته له، اكتشف أنه مختلف عن الذي يصنع في المطبخ، لكنه أحب التجربة وتقبل الأمر بروح مرحة.
هناك مواقف كثيرة مشابهة مع بقية اللاعبين، حيث يمازحونني أحياناً بطلبات غريبة أو يضحكون على طريقة تقديم بعض الأطباق. هذه اللحظات تضيف الكثير من الإنسانية لعملي معهم.
سؤال 7: جمهورك يريد أن يعرف: هل تحضر أكلات مغربية داخل مطبخ النصر؟ وهل يفضل رونالدو أو بعض اللاعبين أطباقاً معينة من المطبخ المغربي؟
الجواب: طبعاً، الأكل المغربي حاضر دائماً في المينيوهات الخاصة بلاعبي النصر، سواء الطواجن أو الكسكس أو أطباق الحريرة. كثير من اللاعبين يفضلونها، حتى رونالدو نفسه يعشق بعض الوصفات المغربية.
أنا أفتخر أنني سفير لبلدي من خلال المطبخ، وأحرص أن تكون الأطباق المغربية دائماً في الواجهة. فهي تجمع بين الطعم اللذيذ والفائدة الصحية، وهو ما يجعلها تناسب لاعبي كرة القدم الذين يحتاجون لتغذية متوازنة.
سؤال 8: ما هي الأكلة المفضلة لرونالدو التي يطلبها منك باستمرار؟ وهل سبق أن طلب منك إعداد وجبة خاصة على ذوقه الشخصي؟
الجواب: رونالدو يحب الدجاج المطهو على الطريقة الصحية، سواء في الطاجين بزيت الزيتون والبهارات الطبيعية أو مشوياً مع خضار متنوعة. كما يفضل الأرز الأسود وبعض أطباق المعكرونة الخاصة.
هو لاعب يهتم كثيراً بالتفاصيل الغذائية، لذلك يطلب مني أحياناً تحضير وجبات خاصة تتماشى مع نظامه الغذائي الصارم. وأحرص دائماً أن ألبي هذه الطلبات بما يحافظ على صحته ولياقته.
سؤال 9: أخيراً، كيف ترى مستقبلك في هذا المجال، وهل تفكر في مشاريع أخرى تجمع بين الطبخ والرياضة أو في نقل تجربتك للشباب المغاربة والسعوديين؟
الجواب:
الحمد لله أشعر أنني قطعت شوطاً مهماً، لكنني ما زلت أطمح إلى المزيد. أفكر في إنشاء مطاعم داخل المغرب تجمع بين الأكل الصحي والسرعة في التقديم، حتى يستفيد منها الجميع. كما أنني مستعد لنقل خبرتي للشباب المغاربة والسعوديين من خلال الدورات التدريبية أو المشاركة في الفعاليات الكبرى.
بلدي المغرب غني بمنتجاته ومطبخه المتنوع، وأؤمن أنه قادر على الوصول إلى العالمية. وأسعى دائماً أن أكون سفيراً للمطبخ المغربي أينما ذهبت.
سؤال 10: كيف تنظرون إلى افتتاح مركب الأمير مولاي عبد الله الجديد، وما دلالاته بالنسبة للمغرب في ظل احتضانه لتظاهرات كبرى ككأس إفريقيا وكأس العالم؟
الجواب: أبارك لبلادي افتتاح مركب الأمير مولاي عبد الله، الذي تم تدشينه قبل أيام قليلة بحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن، حفظه الله. هذه المعلمة الرياضية شُيّدت بأيادٍ وأفكار مغربية خالصة، وتعد تحفة حقيقية تضاف إلى البنيات التحتية الكبرى التي يوليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله عناية خاصة.
هذا المركب يأتي في وقت يستعد فيه المغرب لاحتضان تظاهرات كبرى مثل كأس إفريقيا، كأس العالم للسيدات، وكأس العالم 2030. ندعو الله أن يحفظ بلادنا بالأمن والاستقرار تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك وولي العهد والأمير مولاي رشيد، وأن يوفق كل المغاربة الذين يسهمون في بناء هذه المشاريع الوطنية العملاقة.