يستضيف برنامج “ضيوف مع خلدون” الإعلامية القديرة أسمهان عمور، إحدى الأصوات الإذاعية التي بصمت المشهد الإعلامي المغربي لعقود. بصوتها الدافئ وحضورها اللافت، صنعت لنفسها مكانة متميزة في الإذاعة الوطنية، حيث أسهمت في تقديم وإعداد العديد من البرامج الثقافية التي أغنت الذاكرة الإعلامية المغربية. ومع تقاعدها، لم تتوقف عن الإبداع، بل خاضت غمار الكتابة الأدبية من خلال إصدارها “نكاية في الألم“، الذي لقي صدى واسعًا بين القراء. في هذا الحوار، نتعرف على تفاصيل مسيرتها المهنية الحافلة بالتحديات والنجاحات، ورؤيتها للتحولات التي شهدها الإعلام الثقافي في المغرب، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة. كما تتحدث عن علاقتها بشهر رمضان، وكيف تغيرت طقوس المائدة الرمضانية بين الماضي والحاضر. بالإضافة إلى ذلك، تشاركنا قراءتها لمستقبل الصحافة الثقافية، ودور الإعلام في مواكبة الأحداث الكبرى التي يستعد لها المغرب، مثل استضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. حوار عميق، يتقاطع فيه الإعلام والأدب، الذاكرة والمستقبل، ليكشف لنا عن ملامح شخصية استثنائية، ظلت مخلصة للميكروفون، قبل أن تمسك بالقلم، لتكتب “نكاية في الألم“.
حوار بوشعيب خلدون مع الإعلامية القديرة أسمهان عمور سيدة المكرفون المغربي
1. رمضان له طقوسه الخاصة، فكيف تمضين هذا الشهر؟ وهل يختلف إيقاعك المهني والإبداعي خلاله؟
ـ شهر رمضان شهر المغفرة والثواب، شهر العبادة والتقرب إلى الله. لا يختلف من يؤدي هذه الفريضة على أنه شهر له قدسيته وأجواؤه. كما لا يمكن لأي ذاكرة أن تخلو من اللحظات الأولى لصيامه طفولةً وشبابًا، والقيم التي غرست فينا، وأهمها الإخلاص لله ولنفسك، حيث لا يمكن إطلاقًا أن تتسرب إليك لحظة غش، فأنت الحريص دوما على ألا تبتلع سهوًا ماء المضمضة خلال وضوئك. فأعتقد أن الصيام في رمضان يجعل منك امرءًا مخلصًا لله في أداء هذه الفريضة.
ومن ثم، تتعدد أجواء رمضان حسب البيئة التي تعيش فيها، “لَمَّة العائلة مع الوالدين والإخوة“، “لَمَّة العائلة مع الأبناء والأصهار“.
2 . كيف تنظرين إلى التغيرات التي طرأت على المائدة الرمضانية اليوم مقارنة بالماضي؟ وهل ترين أن هذا التغيير إيجابي أم سلبي؟
ـ لا أنكر أن هذا الشهر يستلزم جهودًا مضاعفة بالنسبة للمرأة، بين الصيام والقيام والوقوف لساعات في العمل، ليليها الجهد البدني الشاق في المطبخ، خاصة وأن المائدة الرمضانية تغيرت عما عهدناه نحن من بساطة في الأكل، إذ أصبح اليوم التنافس في عرض المملحات والحلويات والشُرُبات من خلال تطبيقات على الهاتف الذكي، فترى الكل يحاول تجربة طبخ غير الذي عهدناه، كالطبخ الشرقي: السوري، اللبناني، التركي، إضافةً إلى المغربي.
لهذا، أعتقد أنني لا أستثني نفسي من النساء اللواتي يكسرن رتابة الأكل الرمضاني مع محاولة جادة في أن يكون متوازنًا. لذا، قبل تقاعدي المهني، كان الأمر شاقًا بين الإعداد للبرامج الرمضانية، التي أغلبها كان مباشرًا، وبين الواجبات المنزلية والدينية. أما اليوم، فأستطيع أن أوازن بشكل مريح بين المشي على كورنيش البحر بعد منتصف النهار، ودخول المطبخ لإعداد ما تيسر من الأكل. أما فترة الصباح، فأنا حريصة أشد الحرص على النهوض باكرًا لأداء واجباتي الدينية، ثم القراءة والكتابة إن تفتحت القريحة.
3. كتابك “نكاية في الألم“ لقي تفاعلاً إيجابيًا، ما الذي دفعك إلى خوض تجربة الكتابة بعد سنوات طويلة في الإعلام؟
ـ أولاً، “نكاية في الألم“ هو نصوص ومقالات وليس رواية. كنتُ جد متهيبة لنشرها بعد أربع سنوات من الكتابة، حاولتُ فيها ترميم ما تصدع في الذاكرة من فقدٍ ورُزءٍ وغدرٍ للموت، وانحطاطٍ للقيم، ورحيلِ أزمنةٍ وأمكنة. لم أكن أدري أن هذا الكتاب سيحظى بتفاعل إيجابي من الجمهور القارئ، الذي تعوَّد لسنين طويلة على سماع صوتي الإذاعي. خوفي تلاشى بعد احتفالات التوقيع منذ صدوره في نوفمبر.
لم أعتد الكتابة إطلاقًا، ولم أكن يومًا من اللواتي يحملن القلم إلا لكتابة ما تستدعيه البرامج الإذاعية التي أشرفتُ على إعدادها وتقديمها، حتى تفاجأتُ زمن كورونا بكتابة نصٍّ أملته ظروف مؤلمة، وهي وفاة أحد الأقرباء جراء الجائحة. ومن ثم، جاءت النصوص رثاءً ثم نبشًا في رفوف الذاكرة التي اختزلت مشاهد من الألم، في قرية الزيتونة الشاهدة على غدر الموت بأهرمومو، إلى الكتابة برؤية صحافية وأدبية عن مظاهر اجتماعية وسلوكيات بشرية شابتها الفصام النفسي والاختلالات الاجتماعية التي خلفها ظهور التكنولوجيا الحديثة، خاصة الهاتف النقال.
4. كيف أسهمت خلفيتك الإعلامية في تشكيل أسلوبك الأدبي في “نكاية في الألم“؟
أعتقد أن اشتغالي لمدة سبعة وثلاثين عامًا في الإذاعة، من خلال برامج ثقافية، وتجربتي الخجولة في التلفزيون، وتكويني الأدبي، مكَّنني من اكتساب خلفية لغوية ساعدتني على السلاسة في الكتابة. وحسب الدراسات النقدية التي قدَّمها أساتذة متخصصون في حفلات التوقيع، فقد أكدوا أن لغة “نكاية في الألم“ متينة وعميقة، وواصفة ومكثفة. بل إن بعض النصوص أشار إليها البعض على أنها نواة لسيناريوهات سينمائية أو تلفزيونية، نظرًا لأن مضامين “نكاية في الألم“ تتوزع بين المشاهد والاستبطان النفسي والرؤية الأيديولوجية والسوسيولوجية.
5. كيف ترين واقع الصحافة الثقافية في المغرب اليوم؟ وهل تعتقدين أنها ما زالت تحتفظ بتأثيرها وسط تغيرات المشهد الإعلامي؟
ـ لا يمكن إنكار الدور الطلائعي الذي قامت به الصحافة الوطنية والعربية في المشهد الثقافي، من جرائد ومجلات ودوريات تعنى بالحركة الثقافية، باللغتين العربية والفرنسية، إضافة إلى الملاحق الثقافية التي تفرد حيزًا مهمًا للأقلام المثقفة. كما كان للإذاعة الوطنية والجهوية نصيب وافر في الترويج للثقافة الوطنية والعربية من خلال برامج متخصصة يشرف على إعدادها أدباء ومثقفون.
غير أن التطور الحاصل في المشهد الإعلامي، بفضل التكنولوجيا الحديثة (الإنترنت، الحواسيب المحمولة، الهواتف الذكية)، مكَّن من الترويج للثقافة بوسائل حديثة. فلم تعد الثقافة، بمفهومها الشامل (قصة، رواية، شعر، تشكيل، سينما)، حبيسة صفحات أسبوعية أو مجلات شهرية أو دورية، بل مكنت تطبيقات حديثة من تأسيس إعلام ثقافي جديد يعتمد على الانفتاح وسرعة المعلومة.
6. برأيك، كيف يمكن لمعاهد الإعلام في المغرب مواكبة التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي لضمان تكوين صحافيين قادرين على التكيف مع متطلبات العصر؟ وما هي المجالات التي تحتاج إلى تطوير في هذا السياق؟
ـ أنا خريجة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول بوجدة. تكويني أدبي، ولجت عالم الصحافة عبر الإذاعة واشتغلت، بحكم تكويني، في المجال الثقافي. وأعتقد أنه، بفضل الانفتاح والاستثمار في المؤسسات الخاصة، بات من الضروري الانتباه إلى كثرة تناسل معاهد الصحافة والإعلام ببلادنا… ولا أنكر أن هذا الانفتاح منح فرصًا عديدة للشباب الراغبين في هذه الممارسة الإعلامية. ونعلم جيدًا أن المعهد الحكومي الوحيد يوجد بمدينة العرفان بالرباط، حيث يستقبل طلبة من جنسيات أخرى لمتابعة دراستهم.
غير أنه، في خضم ما تعرفه الساحة من تطورات رقمية متسارعة، وجب تهيئة الطلبة وإعدادهم، نظريًا وتطبيقيًا، لمواكبة هذه التحولات، خاصة مع انتشار الذكاء الاصطناعي. فالأمر لم يعد سهلًا بتاتًا؛ فإذا كان الصحافي التقليدي فيما مضى يعتمد على المراجع والبحوث ويستثمر وقتًا ليس باليسير في إنجاز عمله، فإن اليوم، وبفضل الذكاء الاصطناعي، قد لا تتجاوز مدة الإنجاز لحظات. غير أن هذه السرعة المذهلة جعلت المستهلك لا يتذوق ما يستهلكه من مادة إعلامية.
7. هل تعتقدين أن المحتوى الوثائقي في الإعلام المغربي يحظى بالاهتمام الكافي؟ وما هي المجالات التي ترين أنها تحتاج إلى مزيد من التوثيق والتطوير؟
ـ في المقابل فإن المواد الاعلامية التي اعتبرها اكثر استهلاكا هي الوثائقي وذلك من خلال ما تقدمه لنا بعض منصات التواصل والتطبيقات التي تغريك بمتابعة المغامرات والاكتشافات التي ينجزها اصحابها ولو انهم غير محترفين اعلاميا.
اعتقد أن مشهدنا الاعلامي بحاجة الى الاهتمام بالمادة التوثيقية لبلدنا على جميع المستويات ….ثقافة /سياحة/رياضة/سياسة/لانها هي ذاكرة الوطن
8. المغرب يستعد لاستضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، برأيك، كيف يمكن للإعلام والمثقفين مواكبة هذه الأحداث الكبرى بما يخدم الصورة الثقافية والحضارية للمملكة؟
ـ فخر للمغرب، أرضًا وشعبًا، أن يستضيف تظاهرتين رياضيتين؛ الأولى إفريقية والثانية عالمية، والمغرب، وبدون أدنى شك، منخرط بكل وعي وحس رياضي وسياسي لاحتضان التظاهرتين معًا. فقد أبان منتخبه الوطني في مونديال قطر عن حسن الأداء والانسجام والتحدي والروح الوطنية، حتى أن المغرب، وفي أقاصي بلدان عديدة، عُرف اسمه وعَلَمه من خلال تلك الانتصارات، بعد أن كان البعض يجهل موقعه.
وشخصيًا، خلال زيارة للهند سنة 2023، عندما كنا نُسأل عن هويتنا فنجيب: “المغرب“، كانت ردة الفعل: “مروكو، زياش، حكيمي“، بمعنى أن حضور المنتخب وصيته العالمي أضفى بريقًا للمغرب. لذا، فإن احتضان كأس إفريقيا وكأس العالم ما هو إلا تأكيد على إنجاح التظاهرتين بما يستلزم من بنيات تحتية ولوجيستية.
9. ما هي برأيك أهم التحديات التي تواجه المغرب في تنظيم هاتين التظاهرتين الرياضيتين، وكيف يمكن تجاوزها لضمان نجاح الحدثين؟
أعتقد أن احتضان قطر للمونديال كدولة عربية أبان عن حنكة في التدبير والتهيئة والتسيير، علمًا بأن المغرب وأطره الأمنية ساهمت بشكل كبير في تأمين الفضاءات المحتضنة للتظاهرة في تلك الدولة، وهي الفضاءات التي حجّ إليها الجمهور المغربي من كل بقاع العالم، تشجيعًا ونصرةً للفريق الوطني. هذا الجمهور الذي أبان عن حب الوطن، أرضًا وملكًا، وهو يردد الشعار الوطني بحماسة المحارب، حتى بات شعار المملكة على لسان الآخر. ولا أشك في أن هذا الجمهور هو نفسه الذي سيقدم صورة مشرقة وحضارية وهو في مدرجات الملاعب.
وفي المقابل، وجب تهيئة الظروف الملائمة للهيئات الإعلامية الدولية والعربية والوطنية لمواكبة وتغطية مثل هذين الحدثين، إضافة إلى إحداث قنوات رياضية متخصصة بأطقم تقنية عالية التكوين وصحفيين متمرسين.
10. برأيك، كيف يمكن استثمار هاتين التظاهرتين الرياضيتين في الترويج للمغرب ثقافيًا وسياحيًا على المستوى الدولي؟
أعتقد انها فرصة ثمينة لاستثمار الحدثين في الترويج للمغرب وإبراز أهمية موقعه الجغرافي وإمكاناته السياحية الطبيعية والثقافية من خلال استضافة مهتمين مغاربة وأجانب علما بأن بلدنا هو الحاضن لجنسيات متعددة اختارته للعيش والاستثمار فيه منهم رجال سياسة ورياضة وفكر وأدب …من هنا وجب على المثقفين المغاربة الانخراط في هذه العملية لتثمين حضور المغرب وإبراز دوره المشرق في الحركة الثقافية والعلمية العالمية من خلال نيلهم لجوائز مهمة في محافل دولية. والمغرب عموما حكومة وشعبا لن يالوا جهدا في إنجاح التظاهرتين تدبيرا وتسييرا وعيا من الكل بأن المغرب بلد آمن ورايته خفاقة وأرضه حضن كبير
11. ما هي وصيتك للإعلاميين والصحافيين والكتاب والشعراء في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
ـ إننا نعيش عصر تكنولوجيا صارخة ومذهلة، ما إن نفك شفرة الابتكار الأول حتى يدهشنا ابتكار جديد. وعليه، فإننا ملزمون بمختلف أعمارنا وتوجهاتنا بأن ننخرط في هذه الدينامية الحديثة، التي يسرت التواصل والنشر والإدراك، شرط أن نستثمرها في كل ما يمكن أن يوسع آفاق معرفتنا.
يجب علينا صيانة هويتنا والدفاع عنها، من خلال انخراط المثقفين والإعلاميين في هذه العملية. فقد أصبحنا نعيش في حلبةٍ مسيجة بأسلاك التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، مما يفرض علينا التأقلم مع المستجدات، دون أن نفقد هويتنا الإبداعية وقيمنا الفكرية.

#ضيوف_مع_خلدون
#أسمهان_عمور
#الإعلام_المغربي
#نكاية_في_الألم
#الكتابة_الأدبية
#رمضان_المغربي
#الصحافة_الثقافية
#الذكاء_الاصطناعي
#الإعلام_الرقمي
#التطورات_الرقمية
#المغرب_وكأس_إفريقيا
#المغرب_وكأس_العالم
#التوثيق_الإعلامي
#المثقف_المغربي
#التحديات_الإعلامية
#الصحافة_العربية
#إعلام_مغربي
#الذكاء_الاصطناعي_والصحافة
#المغرب_المستقبل
#الإعلام_الثقافي




















































