#ضيوف_مع_خلدون : حاتم قسيمي، مدير نشر جريدة «البلاد الأخرى» : من غير المقبول، أن يفكر الإعلاميون بطريقة الهواة ونحن نستقبل حدثا عالميا بالغ الاحتراف في حلقة جديدة من برنامج “ضيوف مع خلدون“، نستضيف الإعلامي والكاتب والشاعر حاتم قسيمي، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات في المشهد الإعلامي المغربي. وُلد عام 1977 في الدار البيضاء، وبدأ مسيرته المهنية في مجال الصحافة الثقافية، حيث ترأس تحرير صحيفة “أخبار الثقافة“. تنقل بين عدة مؤسسات إعلامية مرموقة، مثل “العلم“، “الصحيفة“، “المشعل“، وإذاعة “أم أف أم“. يُشغل حاليًا منصب مدير نشر ورئيس تحرير صحيفة “البلاد الأخرى“ الورقية، ومدير قناة “وان تيفي“ الرقمية. إلى جانب عمله الصحفي، هو شاعر أصدر خمسة دواوين شعرية، ومثقف شغوف بجمع الوثائق والمخطوطات، حيث تضم مكتبته آلاف الكتب والمجلات. يرى قسيمي في الصحافة رسالة إصلاحية، وقد قاد تحقيقات جريئة حول قضايا سياسية وثقافية. في هذا الحوار، يشاركنا تجربته الثرية، ورؤيته لمستقبل الإعلام في المغرب، وتحديات التحول الرقمي، ودور الإعلام في مواكبة الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. كما يتناول تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل الصحفي، وضرورة تطوير مناهج تدريس الإعلام لمواكبة العصر الرقمي، وأهمية احتضان الكفاءات المغربية في المجال الإعلامي.
حوار : خلدون بوشعيب مع الإعلامي والكاتب والشاعر حاتم قسيمي مدير نشر جريدة «البلاد الأخرى»
• بداية، كيف يقضي الأستاذ حاتم قسيمي شهر رمضان؟ وكيف ترى الأجواء الرمضانية في الوسط الإعلامي المغربي؟
أقضي شهر رمضان الكريم، كأي مسلم، يتضرع بالخشوع والخضوع والتذلل والانكسار لله عز وجل. أفرد بعض الوقت لتكملة مشاريعي البحثية في مجال علم الاستخبارات والجاسوسية، وقد انتهيت من ثلاث كتب، هي قيد الطبع الآن، كتاب عن اللذين دونوا للجاسوسية والمخابرات بالمغرب، وآخر سلسلة من ثلاث أجزاء عن حوالي 300 من الجواسيس الذين مروا بالمغرب وعاشوا بيننا…
الأجواء الرمضانية في الوسط الإعلامي المغربي، باردة إلى حد يجوز وصفها ب“حالة شخير عام“. هناك تراجع مهول في “الإعلام الرمضاني“. فقبل سنوات ليست بالبعيدة، كانت الصحف الوطنية تتزين بحلقات لكبار المفكرين، كعابد الجابري وعبد الله العروي وغيرهم، وكانت الحوارات الصحفية الخاصة جدا، تثري النقاش العمومي، والفنانون، ينزلون عبر هذه المنابر لكشف جزء من سيرتهم وأفكارهم… وكانت الحوارات السياسية، أشبه ب“المتفجرات السياسية“ تكسر الجمود. هنا، لابد من استحضار سيرة، الفقيه البصري، التي نزلت في هذا الشهر الكريم، قبل سنوات، وكذلك سيرة “الرايس“ وأحمد المرزوقي، وناس الغيوان… وكان القارئ، ينتظر هذا الشهر الإعلامي، ليخزن كمشة من الأعمال الصحفية في مكتبته.. أين اختفى كل هذا؟ ولماذا الإصرار على تبخيس كل ماهو ثقافي وفني وفكري؟ حقيقة، هناك ماكينة خبيثة، تشتغل، ضد كل ما ينتصر للعلم والثقافة، والجمال، ووراءها ما وراءها.
• مع اقتراب تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، هل ترى أن الدولة أعدت العدة لاستقبال هذه الأحداث الكبرى؟ وما هو دور الإعلام في مواكبة هذا الزخم الرياضي؟
تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، أكبر اختبار لقدرات وإمكانيات الدولة على ركوب هذين التحديين. والمغرب قادر على أن يخرج بوجه مشرف، بالنظر إلى حجم الثقة المولوية التي حظي بها هذين الحدثين الكبيرين، وهي أكبر ضمانة للنجاح والتفوق. ولاننسى، أن المغرب، طوال السنة، يستقبل وفودا، وينظم مؤتمرات لها وزنها العالمي، كمؤتمر الأنتربول ومهرجان السينما العالمي بمراكش، وتظاهرات الفيفا والكاف والخارجية المغربية… إذن، فالمغرب له تجربة في هذا المجال، مع أخد بعين الاعتبار، أن المغرب، يشارك في تنظيم كأس العالم مع إسبانيا والبرتغال، وهذا سيخفف إلى حد ما من ثقل هذا الوزر الكروي. وهنا، يأتي دور الإعلام، ليسير في نفس السرعة التي يسير بها المغرب. فمن غير المقبول، أن يفكر الإعلاميون بطريقة الهواة عندما يستقبل بلدهم حدثا عالميا بالغ الاحتراف.
• الإعلام الرياضي المغربي يلعب دورًا محوريًا في مواكبة الأحداث، لكن لماذا لم نرَ مؤسسات إعلامية كبرى مثل beIN Sports أو أبوظبي الرياضية أو القنوات السعودية الرياضية تستثمر في المغرب، رغم تألق الصحافيين المغاربة فيها؟
ليس الصحفيون المغاربة وحدهم المتألقون في هذه القنوات، فهناك أيضا المصريون الذين يحتفظون بالريادة، والخليجيون أيضا… الوضع الحالي للرياضات المغربية والمناخ الاقتصادي، لايشجعان أصحاب هذه القنوات للاستثمار في المغرب. فمثلا، التلفزيون المغربي مجمله يعول على أربع شركات إستشهارية فقط، هي تشكو الآن إرهاقها ماليا. ولك أن تقارن بين الشركات القطرية والمغربية، هناك فرق شاسع في الإمكانيات.. بالنظر أن مجال الإعلام، يبتلع الأموال الطائلة، ولايدر شيئا. اللهم، ماتجنيه هذه الدول من فحولة سياسية واقتصادية ومحاولاتها السيطرة الإقليمية والضغط والبروباغندا…
• في ظل هذه التحديات، كيف يمكن للإعلام الرياضي المغربي أن يطور منظومة الرياضة في البلاد؟ وهل ترى أن هناك حاجة لإطلاق قنوات رياضية مغربية بمواصفات عالمية؟
الإعلام الرياضي المغربي الحالي يشبه المنتوج الرياضي المحلي، وأظن أن المسؤولية الكبرى في تطوير منظومة الرياضة في البلاد، يقع على عاتق الدولة التي تتوفر على مرجع هام للانطلاق والعمل بكل ثقة، وهو توصيات المناظرة الوطنية في الرياضة. يجب أن نخرج من مرحلة “البريكولاج“ ، إلى مرحلة الإنجاز والألقاب وصناعة الأبطال.
ليست هناك أي حاجة لإطلاق قنوات رياضية مغربية بمواصفات عالمية، لأننا نلعب في مناخ هاوي، وإذا أردنا أن نصلح فعلينا أن نصلح الواقع أولا ثم ننتقل إلى عملية رصد هذا الواقع. فلايسبق الحصاد الزرع.
لانريد المزيد من إهدار ثرواتنا في مشاريع فاشلة وغير مدرة.
• الإعلام المغربي، خصوصًا المرئي، يعاني من بعض النواقص، ما هي أبرز مقترحاتك لتطوير هذا القطاع ليواكب التحولات الرقمية والتكنولوجية؟
للأسف، قنواتنا بعيدة جدا عن أي تطور. تخيل، أن شبابا عاديين، استخدموا أحدث تكنولوجيا الاستدويوهات والكروما قبل التلفزة المغربية، التي كان من المفترض أن تكون هي السباقة إلى أي تطور حاصل في هذا المجال.
• الذكاء الاصطناعي أصبح يفرض نفسه في جميع المجالات، كيف ترى تأثيره على الإعلام؟ وهل يمكن أن يشكل تهديدًا أم فرصة لتعزيز الأداء الصحافي؟
الإعلاميون المغاربة لازالوا في مرحلة الدهشة الأولى، أمام شيء جديد عليهم يدعى الذكاء الاصطناعي. وأغلبهم لازال يتعامل معه ك“لعبة فيديو“. أظن، أن حسن استثمار هذا “المخلوق التكنولوجي“ الجديد، يتوقف على قدرة الإعلامي، على استدعاء خياله، وهو يستعين بهذا المخلوق الغريب عن بيتنا. وهو فرصة لتعزيز الأداء الصحافي، إذا أحسنا فهمه وتوطيفه.
• هل تعتقد أن مناهج تدريس الإعلام في المغرب بحاجة إلى مراجعة لمواكبة التطورات الرقمية؟ وما هي الجوانب التي يجب التركيز عليها لتكوين جيل جديد من الإعلاميين القادرين على التكيف مع العصر الرقمي؟
مناهج تدريس الإعلام في المغرب بحاجة إلى مراجعة مستمرة لمواكبة التطورات الرقمية، فالعلم وتقنيات العمل الإعلامي، تتطور باستمرار. لكن على فقهاء التدريس الإعلامي، أن يستحضروا المناهج الموسوعية بموازات تدريس تقنيات العمل الصحفي. لأن الطالب، يأتي ليأخذ التقنيات فقط، ولا يكون في مجمله ذا حمولة موسوعية ومعرفية تساعده على تقديم منتوج صحفي لائق. وعموما، أردد ماقاله الإعلامي الراحل، العربي المساري، في لقاء حضرته بالمعهد العالي للصحافة والإعلام الذي درست به: “شهادة الإعلام مثل شهادة السياقة، ليس بالضرورة أن يكون السائق جيدا“.
أنصح أن تكون هناك مادة للتثقيف الذاتي، يدرس من خلالها الطالب، تاريخ الفكر السياسي والحركات الثقافية والاتجاهات الفنية، وأعلام كل مجال، ولو بشكل مقتضب. حتى يخرج الطالب الصحفي، بمخزون ثقافي يساعده في أداء مهامه، إلى جانب الدراسة التقنية لوسائل الإعلام التي يتلقاها. الطالب المغربي يخرج إلى السوق صفحة بيضاء، وهذه كارثة.
• الصحافيون المغاربة يبدعون في كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية، برأيك ما الذي ينقص الإعلام المغربي ليكون قادرًا على احتضان هذه الكفاءات بدل تصديرها للخارج؟
هذه الكفاءات وجدت التربة الصحيحة والسليمة. عند هجرة هؤلاء كان المناخ بالمغرب لايساعد علـــى الإبداع والخلق.
• كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية في ظل التحول الرقمي؟ وهل تعتقد أن الصحافة المكتوبة قادرة على الصمود في هذا العصر أم أن التحول الإلكتروني أصبح حتميًا؟
الصحافة الورقية انتقلت إلى مرحلة جديدة تعزز من صورتها. يكفي أن ترمق شخصا يحمل جريدة ورقية، لتعرف أنه شخص “كلاص“ أو “لوكس“، شخص مميز عن كل المارة وعن الآخرين.. إنه يختزل شرف المثقف وهو يحمل صحيفة ورقية بين يديه.
ستظل الصحيفة الورقية منبعا خصبا للمعرفة لا أحد يقارعها في ذلك. في السابق، عندما ظهرت الإذاعة، قيل أن الكتاب انتهى. وظل الكتاب “خير جليس في الزمان“. وعندما ظهر التلفزيون، قيل أن الإذاعة انتهت، وظل الراديو بعنفوانه المعرفي. وعندما ظهرت السينما، قيل أن التلفزيون سينتهي، وظل التلفزيون ك“مجمع“ للعائلة. وعندما ظهرت غزوة السديهات، قيل أن السينما انتهت. وظلت السينما بظلمتها وصوت “بوبنتها“ وشاشتها الساحرين… واليوم، عندما ظهر الصحافة الإلكترونية، يقال نفس الأمر مع الصحف الورقية، وستظل الصحافة الورقية كما ظل الراديو والتلفزيون والسينما والكتاب، منابع للمعرفة. يمكن أن نتحدث عن مزاحمة لأشكال المعرفة، لكن من السذاجة القول بانتهاء زمن أحدها. ثم أين المشكل؟ فكل الصحف الورقية الآن واكبت تطور الصحافة الرقمية، ولها محتواها الرقمية ومواقعها ومنصاتها، التي تشكل امتدادا لها. وبالتالي، فالمشكل غير موجود أصلا.
#حاتم_قسيمي #ضيوف_مع_خلدون #الصحافة_المغربية #الشعر_المغربي #التحول_الرقمي #كأس_أمم_إفريقيا_2025 #كأس_العالم_2030 #الذكاء_الاصطناعي #الإعلام_الرياضي




















































