- المغرب ومصر.. تراث مشترك ومستقبل ثقافي واعد
- التعليم، التراث، والفنون.. ثلاثية التعاون المصري المغربي في رؤية
- الذكاء الاصطناعي والثقافة: كيف نواكب العصر دون أن نفقد هويتنا؟
في حلقة جديدة من سلسلة “ضيوف مع خلدون”، نستضيف اليوم شخصية أكاديمية بارزة لها بصمة مميزة في مجالات الثقافة، التعليم، والتراث، وهي الأستاذة الدكتورة هبة محمود سعد، الملحق الثقافي ومدير المركز الثقافي التعليمي بالرباط، والملحق الثقافي السابق ومدير البعثة التعليمية بواشنطن. تحمل الدكتورة هبة مسيرة علمية وأكاديمية حافلة، بدأت من جامعة الإسكندرية وصولًا إلى مؤسسات أكاديمية عالمية مرموقة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أسهمت في مشاريع بحثية رائدة حول الحضارة الإسلامية، المتاحف، والهوية الثقافية.
اليوم، وفي قلب الرباط، تسعى الدكتورة هبة إلى إعادة إحياء الدور الحيوي للمركز الثقافي المصري بعد سنوات من التوقف، واضعةً نصب أعينها تعزيز التعاون المصري المغربي في مختلف المجالات الثقافية والتعليمية. فما هي أبرز برامجها المستقبلية؟ وكيف ترى مستوى التبادل الثقافي والفني بين البلدين؟ وما فرص التكامل بين المؤسستين الثقافيتين في ظل المتغيرات العالمية؟
كما يتناول الحوار موضوعًا بالغ الأهمية في العصر الحالي، وهو دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في حفظ التراث وتعزيز الإبداع الفني، ومدى جاهزية المؤسسات الأكاديمية والثقافية العربية لمواكبة التحولات الرقمية.
حوار مميز يحمل الكثير من الأفكار والرؤى حول مستقبل التعاون الثقافي المصري المغربي، وأهمية الثقافة في بناء الجسور بين الشعوب. تابعونا!
حوار بوشعيب خلدون مع الأستاذة الدكتورة هبة محمود سعد، الملحق الثقافي ومدير المركز الثقافي التعليمي بالرباط، والملحق الثقافي السابق ومدير البعثة التعليمية بواشنطن
1. مرحبا بكِ، الأستاذة الدكتورة هبة محمود سعد عبد النبي، في بلدكِ الثاني المغرب، وهنيئًا لكِ بتولي منصب الملحق الثقافي ومدير المركز الثقافي التعليمي بالرباط، وهو مركز لم يُفعَّل منذ أكثر من سبع سنوات. كيف تخططون لإعادة إحيائه؟ وما أبرز المشاريع المستقبلية لتعزيز التعاون الثقافي المصري المغربي؟
ـ شكرًا على الترحيب والاهتمام. هذا الترحيب الذي وجدته منذ وصولي إلى المغرب يشعرني بالفعل بأنني في بلدي الثاني.
الواقع أن دور المركز الثقافي المصري يتمحور حول تعزيز العلاقات الثقافية والتعليمية بين مصر والمغرب، والتعريف بالثقافة المصرية والحضارة المصرية عبر العصور. لذا، فإن المشاريع المستقبلية لتعزيز التعاون المصري المغربي تركز على محورين:
– الأول هو تجديد الاتفاقيات التعليمية بين الجامعات المصرية والجامعات المغربية، وفتح آفاق جديدة للتعاون العلمي الأكاديمي تسمح بتبادل الأساتذة والطلاب، والتعاون في مشروعات بحثية وبرامج أكاديمية مشتركة، وتوفير المنح الدراسية للطلاب من الجانبين. ويعزز هذا التعاون وجود توافق بين البلدين في المجالات التي تندرج على قائمة الأولويات للبلدين مثل الاهتمام بالطاقة الجديدة والمتجددة، ومشروعات المياة والزراعة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والتراث الثقافي وغيرها من المجالات.
– الثاني هو التعاون الثقافي في جميع مجالات الفنون والإبداع والثقافة لاسيما أن كل من مصر والمغرب تولي التراث اهتماما كبيرا باعتباره دافعا للسياحة، وأيضا كل من مصر والمغرب لديها مكون ثقافي فريد يتسم بالتنوع والأصالة ويعكس تفرد وتميز كل دولة. لذا فإن المشاريع المستقبلية تركز على فتح آفاق للتعاون في مجال الصناعات الثقافية الإبداعية والربط بين المؤسسات الثقافية بين البلدين، وتنظيم أنشطة ثقافية مشتركة.
ومن خلال وجود المركز الثقافي المصري بالرباط فإن للمركز خطة أنشطة تشمل فعاليات وأنشطة متنوعة تستهدف إحياء عدد من المناسبات الدولية والمناسبات المحلية المصرية التي يمكن من خلالها عرض الثقافة المصرية. بالإضافة إلى تنظيم المحاضرات والأمسيات الثقافية والشعرية، والمعارض الفنية، ومعارض التراث وذلك على مدار العام. كذلك ينظم المركز ورش عمل ودورات تدريبة للشباب والأطفال تعتمد على اكساب المهارات بطريقة تفاعلية، ويستقبل المركز زيارات مدرسية، وتلقى ورش العمل اقبال كبير من المدارس بالرباط. كذلك فأن المركز الثقافي يضم مكتبة كبيرة بها 30 ألف كتاب ومفتوحة للجمهور من كل الفئات والمراحل العمرية، ونسعى حاليا لإمداد المكتبة بإصدارات حديثة والتعاون مع مكتبة الإسكندرية لتحديث المكتبة وتوفير قواعد البيانات والمستودع الرقمي للكتب بالمكتبة في المركز الثقافي.
2. بما أن المناسبة هي شهر رمضان الكريم، كيف تقضي الدكتورة هبة محمود سعد عبد النبي الشهر في المغرب؟ وهل تحافظون على مائدة الإفطار المصرية، أم تفضلون المزج بين الثقافتين؟
اقضي النهار في المركز ما بين اجتماعات وورش عمل وتنظيم أنشطة المركز، ومساءا أحافظ على طقوسي في قراءة القران وصلاة التراويح أحيانا في المنزل و أحيانا في المسجد. ومائدة الإفطار تكون عادةً مصرية إذا تناولت الافطار في المنزل، ومغربية إذا تناولته خارج المنزل. وأنا حريصة على التعرف على العادات والتقاليد المغربية في رمضان واستمتع بالاطباق المختلفة مثل الحريرة والطواجين الشهية والكسكس والحلوى المتنوعة، كما أن حضور المناسبات المختلفة أثناء رمضان يسمح لي بالمزج بين العادات والتقاليد الرمضانية للبلدين
3. كيف تقيّمون مستوى العلاقات الثقافية بين مصر والمغرب اليوم؟ وهل هناك مبادرات أو برامج مقترحة لتكثيف التبادل الثقافي والفني بين البلدين؟
ـ طالما كانت العلاقات الثقافية بين مصر والمغرب علاقات قوية، فكانت الأفلام والمسلسلات المصرية حاضرة في كل بيت في المغرب، والمهرجانات تعج بالفنانين المصريين، والشعراء والأدباء المغاربة تربطهم علاقات التعاون والصداقة مع شعراء وأدباء مصر. ويعد المعرض الدولي للكتاب أيضا مثال على عمق العلاقات الثقافية بين البلدين فكانت المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة في 2017 وكانت مصر ضيف شرف المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء في 2018. لذا فإن التبادل الثقافي والفني بين البلدين أمر طبيعي واستكمال لتاريخ من الروابط الوثيقة. ونسعى حاليا لتنفيذ عدد من برامج التعاون بين وزارتي الثقافة في البلدين بما يسمح بتنظيم فعاليات ثقافية مشتركة وتبادل الوفود الفنية والعروض الفنية المتنوعة.
4. باعتباركم عضوًا في المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) ومنظمة مؤرخي الفن الإسلامي، كيف يمكن تعزيز التعاون بين مصر والمغرب في مجال التراث والمتاحف، خاصة في ظل الاهتمام العالمي بالتراث المادي وغير المادي؟
ـ مصر لديها تاريخ طويل مع المتاحف منذ انشاء متحف بولاق في 1863 ثم توالي المتاحف المنظمة كالمتحف اليوناني الروماني في 1892 والمتحف المصري بالتحرير في 1902 ومتحف الفن الإسلامي في 1903 والتي حرصت مصر من خلالها على عرض تراثها الثري بصورة منظمة وعلمية. وفي العقود الأخيرة حظيت المتاحف باهتمام كبير بدليل التطور الكبير الذي شهدته المتاحف المصرية سواء في طرق العرض المتحفي، أو استخدام التكنولوجيا في العرض، أو الدور الثقافي والتعليمي الذي تقوم به المتاحف للزائرين والسائحين. وافتتحت مصر مؤخرا عدد من المتاحف كان أخرها متحف المتحف القومي للحضارة المصرية، كما أعلنت عن موعد الافتتاح المرتقب للمتحف الكبير في 3 يوليو 2025 والذي يعد أكبر متحف في العالم لحضارة واحدة وسيعرض لأول مرة مجموعة توت عنخ آمون كاملة. وهذه المتاحف لها دور كبير في الرواج السياحي في مصر، كما أنها تبرز اهتمام مصر بالتراث المادي وغير المادي وجهودها في حفظه وعرضه وتفسيره. والمغرب لديها نفس التوجه والاهتمام بالمتاحف بدليل تنوع المتاحف بين متاحف للتاريخ والآثار والفنون، وافتتاح عدد من المتاحف في السنوات الأخيرة، والدور الكبير الذي تقوم به المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب. ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر خير مثال لهذا الاهتمام الكبير بالمتاحف. لذا فإن أحد أهدافي تنفيذ شراكة بين البلدين في مجال المتاحف والتراث بحيث يتم من خلالها تبادل الخبرات وتنظيم معارض مشتركة، وتنظيم برامج للتدريب والتعاون في مجال البحث العلمي في مجالات التراث وفروعه.
أما العمارة الإسلامية والفن الإسلامي فيمثلان أحد عناصر الحضارة المشتركة بين البلدين، وبالتالي فهناك آفاق كبيرة للتعاون لتنظيم فعاليات وأنشطة وبرامج تدريبية في مجال العمارة الإسلامية والفن الإسلامي.
5. مع اقتراب المغرب من استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، كيف ترون تأثير هذه الأحداث الرياضية على النهضة الثقافية في المغرب؟ وهل هناك خطط للاستفادة منها لتعزيز التبادل الثقافي بين البلدين؟
ـ استضافة المغرب لكأس الامم الإفريقية وكأس العالم أحداث رياضية مهمة، ومحل فخر واهتمام كل الدول العربية، وسيكون لها تأثير ايجابي كبير من حيث جذب الأنظار للمغرب واستقطاب مزيد من السياحة التي سيكون لها مردود على جميع القطاعات ومنها الثقافة. ويمكن تنظيم فعاليات ثقافية على هامش تلك الأحداث الرياضية الكبرى.
الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة تحظى باهتمام الشعب في كل من مصر والمغرب وهي مجال آخر يمكن أن يعزز التعاون بين البلدين.
6. لديكم خبرة أكاديمية وإدارية واسعة، كيف تنظرون إلى أهمية تحديث المناهج في معاهد الإعلام العربي لمواكبة التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
التقدم السريع في التكنولوجيا والعلم يتطلب تحديث المناهج لضمان تعليم الطلاب المهارات والمعارف الحديثة التي تواكب التغير في احتياجات سوق العمل، كما ان تحديث المناهج ودمج أساليب تعليمية جديدة وأساليب تدريس مبتكرة والتعرف على كل جديد في مجال البحث العلمي يضمن تحسين جودة التعليم وتعزيز مشاركة وتفاعل الطلاب مع المحتوى العلمي، ويسهم في تحسين الاستجابة لمتطلبات سوق العمل، كما يسمح بمساهمة فعالة للمؤسسات التعليمية في انتاج المعرفة من خلال البحث العلمي والتطوير والابتكار واستخدام التكنولوجيا في جميع المجالات. وهذا التحديث مطلوب في كل المؤسسات التعليمية وليس معاهد الإعلام فقط، لان التطور السريع في العلوم وتدخل الذكاء الاصطناعي يفرض علينا مواكبة الجديد والمشاركة في ركب التطور العلمي.
والمؤسسات الأكاديمية في العالم العربي لديها الكفاءات والقدرات البشرية التي تؤهلها ليس فقط لمسايرة ركب التطور بل للريادة، قد ينقصها الموارد المادية أو يواجهها بعض العقبات، لكن التعاون الأكاديمي الدولي قد يوفر حلول لكثير من المشكلات والعقبات.
7. في ظل الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي، كيف يمكن للمؤسسات الثقافية والتعليمية في مصر والمغرب الاستفادة منه لتعزيز البحث العلمي، والحفاظ على التراث، وتطوير الإبداع الفني؟
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر حلول عديدة تخدم المؤسسات الثقافية والتعليمية فيمكن أن يساعد في حفظ وترميم وتحليل الأعمال الفنية القديمة والقطع التراثية والمخطوطات، ويمكن استخدامه في تحليل النصوص الأدبية والبيانات بما يساعد في فهم الانماط الثقافية والاتجاهات الاجتماعية وتوثيق التراث والثقافات بشكل أعمق. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهل الوصول للثقافة والمعرفة والعلم من خلال المنصات الرقمية وما توفره من خدمات، كما أنه يساعد في تصميم تجارب تفاعلية مثل المعارض الذكية وأجهزة العرض التفاعلي والألعاب التي تعزز من فهم الجمهور وتفاعلهم مع الثقافة. ولكن يظل الذكاء الاصطناعي وسيلة مساعدة تيسر وتسهل وتعزز وليست بديل عن الإبداع البشري.
8. كيف تقيّمون تفاعل المثقف المغربي مع المستجدات الرقمية؟ وهل هناك وعيٌ كافٍ بأهمية استثمار الذكاء الاصطناعي في تعزيز الذكاء الإبداعي؟
أعتقد اننا في حاجة مستمرة للتوعية بالمستجدات الرقمية لأن التطور في هذا المجال سريع جدا، وكل يوم هناك جديد في استخدامات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في كل المجالات. لذا نحتاج دائما للحوار عن اخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي وطبيعة استخداماته بما يعزز الإبداع ويحسن الصور التقليدية للفنون.
9. بناءً على تجربتكم وخبرتكم الدولية، ما هي نصيحتكم للمثقفين والفنانين في مصر والمغرب لتعزيز الحضور الثقافي لبلديهما على المستوى العالمي؟
نصيحتي هي الانفتاح على الثقافات المختلفة والمشاركة في الفعاليات المحلية والدولية، مع فهم واعي لتراثنا الفريد وعرض هذا التراث بفخر واعتزاز، وأيضا تقبل اختلاف الثقافات واحترام هذا الاختلاف.
#ضيوف_مع_خلدون #الثقافة_المصرية_المغربية #التعاون_العلمي #المتاحف_والتراث #الذكاء_الاصطناعي_والثقافة #مصر_المغرب_تاريخ_مشترك




















































